مقالات

حامد الكيلاني : حملدارية الشيطان الأكبر

تتألف الأحزاب وتتكون في توقيتات معينة، وهي نتيجة فكرة تلتقي مع مناخ ما سياسيا كان أو اقتصاديا أو كرد فعل تجاه حدث ما، ولا نخطأ حين نقول إنها تبدأ بالمشاعر الإنسانية أيا كانت، وإذا كانت كل التطورات اللاحقة مبنية على نواة تفاعل قاعدتها الإحساس المتنامي بالتجمع حول تلك النواة ومداراتها، فلماذا تتحول إذن معظم الأحزاب في منطقتنا في محصلتها، وخاصة بعد استلام السلطة، إلى مجموعات إرهابية وتفقد أهم مرتكزاتها، وهو شعور الناس بها؟

من تجارب ما شاهدته ضمن معايشتي الزمنية، هو انقلاب الأحزاب الحاكمة إلى أعداء مباشرين للشعب، وإذا خرجت من السلطـة تحـولت إلى مجموعات منفلتـة فاقـدة لصوابها ورشدها. ما يحصل الآن لا علاقة له أبدا بأي نواة تأسست عليها الأحزاب الدينية التوجه، أو التقدمية الصفات، أو العلمانية، الكل تشاركوا في السعي الحثيث إلى السلطـة، أما إذا استلموا السلطة فالمصيبة في بقائهم الطويل، والكارثة في نزع السلطة منهم. أتابع الحكام الذين لا يفرطون بمشاعر شعوبهم فحسب، وإنما في دمائهم ومستقبلهم، وكذلك تفعل جوقة الأحزاب التي ذاقت طعم السلطة.

من كان يصدق أن الأديان والمذاهب تفرز لنا هذا الكم من البشاعة، ومن كان يصدق أن الدموع في مآقي الشباب المتحمّس لطرد الاستعمار ومقارعته والموت في سبيل الوطن، ستتحول فيما بعد، إلى عبوات ومفخخات مزروعة على أرصفة الطرق لقتل الناس في الشوارع العامة، ومن كان يصدق أن مدارس الفقه والاجتهاد والتشريع تقدم لنا أسوأ نماذج الميليشيات ووحشيتها، الأدهى أن الدول تساهم في دعم التطرف وتبادل العنف لأسباب تتعلق بـ”الشعور” بالظلم.

المعايير المزدوجة، هذا المصطلح الذي تردد بشدة في أروقة السياسة الدولية وخاصة في الأمم المتحدة ومجلس أمنها، بالتعامل مع العراق وفرض العقوبات عليه وحصاره، يبدو أنه انسحب على التعامل حتى مع الإرهاب، فالإرهاب في ليبيا فيه وجهة نظر ربما، والإرهاب في العراق يحتاج إلى “حملدارية” دولية لمكافحته. النظر إلى الإرهاب من باب المصالح الآنية للدول الكبرى سيزيد ويفاقم التوتر في العالم، كأنني أتابع فقدان الجاذبية الأرضية التي تحدد سرعة وحركة وثبات الناس، لا رابط بينهم، يصطدمون ببعضهم وينفلتون كل باتجاه.

ماذا يعني أن يتحدث زعيم دولة خارج بلده باتجاه وداخل بلده باتجاه مضاد؟ طامة كبرى أن يتحول النفاق إلى هذا المستوى، الفضائح ترى في التناقضات بين الوجه العام والوجه الخاص، بين ما فوق وما تحت، شخصيات منخورة بالتعصّب للمذهب والطائفة والقومية والثأر والحزب، تتسلق المناصب بوجه سمح وتراوغ حتى تصل إلى مآربها وأهدافها، لكن ليتنبّه المنافقون، فإن الكاميرات الشخصية ومعدات التصوير وتقنياتها تلتقط كل شاردة وواردة، لا أدري لماذا أتذكر وحتى “خائنة الأعين”؟ لكن في الأمر باب آخر، فالكل يتراجع ويتكأ على اتهام الآخر بالتلفيق الإعلامي والمفبرك للنيل من سماحة المسؤول، بالتقنيات الحديثة. مشاعر المنصب في النهاية أهم من الحرائق في بيت الشعب.

شراء المشاعر “الرخيصة” للناس تلتقي في مصب واحد وهو محاربة المسلمين للشيطان الأكبر، وهذا الشيطان يشبه (بيت الحبيب ما أجمله)، ففي أوقات الخصام نخاصمه وينتابنا الحنين لرضاه، وفي أوقات الرضا وساعة بقرب الحبيب، نداري على شمعتنا من التنهيد، كي لا ينال منا الحسد فنردّ العود إلى عين الحسود، على وزن رد كيدهم في نحرهم، ونحرهم في كيدهم، ولأننا دمى ومقطعة أوصالنا ومشاعرنا، فالشيطان الأكبر ممكن أن يهب لنا وطنا بكامله، لكننا نكرهه ونعاديه، وممكن أن يقدم لنا ألعابا سحرية هنا وهناك فندخل لإبطال سحره، وفي اتجاه آخر يقتل على أرضه ثلاثة من المسلمين، فنضع كل المسلمين في جيبنا الملائكي لأن المسلمين يركضون بلمسة زر مشاعر إسلامية، والشيطان الأكبر مع ذلك يوزع عطاياه وهبـاته، وبصبر يرابـط في مكانـه يراقب وجه أعدائه التقليديين فوق الطاولة، أما تحتها فغابة السيقان لها حديـث آخـر، لا يـقل خزيا عن تحرش الشباب المسلم بالشيطان في القاهرة أو بغداد بالأماكن المزدحمة.

إمبراطوريتان في جوارنا تؤثثان للقادم، من “مول الشيطان الأكبر” ومشاعرنا مذبوحة ونحن نتابع مستوردي الاحتلال يسبّون ويشتمون شيطانهم الذي جاء بهم إلى السلطة. أسطوانة قديمة “هجَرْتكْ يمكن أنْسى هواك” لكن على طريقة الراب بالعمامة أو الطربوش أو حتى ربطة عنق، الأهم الشيطان يظل أكبر.

ما لا نراه هو الأهم، التمويل والإدامة وتمديد الأمد والتدريب وإطالة عمر الحاكم وتقصير عمر حاكم آخر، ومحاربة الإرهاب هنا ودعمه هناك، ومفاوضات على نوعية سلاح ونزعه، وإطلاق سراح سلاح أكثر فتكا ونشره، المحصّلة أميركا وأوباما لن يفرطا بمصالح الشيطان الموزعة على العالم وبالذات في أرض الجحيم التي عليها إسرائيل وتحتها النفط، وبمحاذاتها الشركة الإيرانية التركية الأكثر استثمارا واستعمارا واستحمارا وشيطنة في المنطقة.

أسئلة غير بريئة: هل أميركا تفاجأت، فعلا، بغنائم أسلحتها في الموصل؟ أم أنها كانت تخطط بطريقة ما لتسليح الإرهاب؟ هل يعقل أن أميركا تخطئ برمي معدات حربية إلى عناصر الإرهاب لماذا لا توجد قرارات حاسمة؟ ولماذا لم نعد نصدق أبدا أن هناك قيما عليا في الحياة؟

العرب اللندنية _ وطن اف ام

زر الذهاب إلى الأعلى