تبدو المقاومة كماركة مسجلة، تُعطى لحزب أو طرف مارسها يوماً، فتبقى سمته اللازمة، بغض النظر عن كل ممارساته. المقاومة ليست كذلك، بل تُحدَّد بممارستها، وتصبح سمة لازمة حين ممارستها، فادعاء أي قوة أنها قوة مقاومة يرتبط بممارسة المقاومة نفسها، وحين تتوقف المقاومة، يصبح ضرورياً النظر إلى مجمل بنية تلك القوة، ودورها الفعلي.
هناك قوى يقوم برنامجها على أولوية المقاومة، لا بد من ملاحظة ممارستها. وهناك لحظات تفرض على قوى وأحزاب ممارسة المقاومة، نتيجة وجود الاحتلال. لكن، لها رؤى وبرامج تشمل المجتمع. هذا يعني أن المقاومة تعني قتال عدو محتل، وممارسة المقاومة ضده. وهذا لا يستنفد كل سمات أي حزب أو قوة، إلا إذا كانت تقوم على برنامج من نقطة واحدة، هي مقاومة المحتل، من دون أيديولوجية أو منظورات تخص المجتمع. وهي، هنا، تعتبر حركة تحرير وطني، ينتهي دورها حال تحقيق التحرير.
أشير إلى حزب الله تحديداً، قاوم الاحتلال الصهيوني لجنوب لبنان، على الرغم من أن مقاومته قامت على جثث أعضاء جبهة المقاومة الوطنية التي شكلها الشيوعيون وأحزاب قومية. لكن الاحتلال انسحب مضطراً، ثم فرضت حرب يوليو/تموز 2006 وقائع جديدة، بعد موافقة حزب الله على القرار “الأممي” 1701 الذي ينهي الصراع مع الدولة الصهيونية. ومن ثم تحوّله، بعد الانسحاب السوري، سنة 2005، إلى أن يصبح جزءاً من الصراع الداخلي اللبناني، ويمثل فئة “شيعية” تسعى إلى فرض سطوة على الدولة، في وضع لا يسمح بسيطرة كاملة على السلطة. هنا، تحدد السياسات الأخرى، غير المقاومة، الموقف منه. ما هو موقفه من النظام الطوائفي؟ وما سياسته الاقتصادية؟ وما منظوره الأيديولوجي؟ هذه المسائل الثلاث هي التي تحدد الموقف منه، وليس المقاومة، على الرغم من بقائها جزءاً من رؤيته، لكن، من منظور دفاعي قرره هو. أي تصبح المقاومة أولوية فقط في الصراع المباشر مع الدولة الصهيونية، وغير ذلك تكون بنيته ومواقفه الداخلية، والإقليمية، أساس الموقف منه.
لهذا، يكون التقارب معه فقط في لحظة تفجّر الصراع مع الدولة الصهيونية، أما في الوضع القائم فالصراع معه نتيجة أيديولوجيته الطائفية، ومنظوره الليبرالي، وأيضاً خضوعه لسياسة الملالي في إيران. ليست النيات محدِّد المواقف، ولا “الخطاب” الذي يقوم على “المقاومة”، بل الممارسة. وليست الشعارات هي التي تحدِّد ممارساتنا، بل الممارسة لأي طرف هي التي تحدد مواقفنا منه. في كل الأحوال، يجب تقييم بنية أي قوة أو حزب، منظوره الأيديولوجي، والمصالح الطبقية التي يعبّر عنها، قبل تلمس سياساته، فذلك ما يسمح بتحديد مغزى هذه السياسات، وهدفها، ليس كما يظهر “على السطح”، أو في الخطاب الإعلامي، بل كما هي في الواقع.
وإذا كان حزب الله، مدعوماً بالنظام الإيراني، قد مارس المقاومة ضد الاحتلال، فسنلمس أن الهدف تعديل وضع “الشيعة” في السلطة اللبنانية، تحويل المحرومين إلى فئة مسيطرة، والمحرومون هنا قصدت البرجوازية الشيعية التي كان النظام الطوائفي يهمشها. وهذا ما ظهر، أخيراً، جلياً. ومن ضمن ذلك تحسين وضع فئات وسطى، استفادت من “دورها المقاوم”. هذا إضافة إلى تحكم إيران بورقة في إطار مساوماتها الدولية، عبر دور حزب الله. لهذا، لا يختلف حزب الله مع البنية الاقتصادية الليبرالية القائمة، خصوصاً بشقها المالي (دور المصارف)، ولا مع شكل السلطة الطوائفي، وإن كان يطمح، ربما، إلى أن يكون لبنان جزءاً من دولة آية الله. بالتالي، ليست المقاومة هنا مبدأ بل سياسة. وبالتالي، كتكتيك يمكن “التوافق” معه، حين يكون ممارسة، أي حين اندلاع الصراع فقط، أما غير ذلك فالصراع هو ضد السياسات الليبرالية والنظام الطوائفي والمنظور الطائفي لدى كل الأطراف.
ذلك كله ما جعل حزب الله جزءاً من الصراع ضد الثورة.
العربي الجديد _ وطن اف ام