ذات يوم، غير بعيد، اعتبر المعلّق الإسرائيلي جدعون ليفي أنّ فوز بنيامين نتنياهو بمنصب رئيس الوزراء، عن طريق الانتخاب، وللمرّة الاولى في تاريخ إسرائيل، سوف يكون «علامة مشجعة». لكنّ ليفي في طليعة منتقدي سياسات إسرائيل بصدد معظم الملفات، الداخلية والإقليمية والدولية، عموماً؛ وملفّ مفاوضات السلام، وحقوق الفلسطينيين، والاستيطان، خصوصاً. كما أنه أحد أشرس نقّاد نتنياهو، طيلة سنوات في الواقع، وعلى نحو صار مضرب مثل وقياس. فلماذا اعتبر أنّ انتخاب نتنياهو سوف يرتدي صفة تشجيعية للإسرائيليين؟
للأسباب النقدية ذاتها، في الحقيقة، وعلى مبدأ المفارقة التي تنتهي إلى نقيض ما يُراد منها، إذْ كتب ليفي: «انتخاب نتنياهو سوف يحرّر إسرائيل من عبء الخديعة، لأنه إذا نجح في تشكيل حكومة يمينية، فإنّ الحجاب سوف يسقط وينكشف وجه الأمّة الحقيقي أمام مواطنيها وسائر العالم، بما في ذلك العالم العربي. ونحن، ومعنا العالم، سوف نرى إلى أيّ اتجاه نسير، ومَن نحن حقاً. وبذلك فإنّ الحفلة التنكرية، التي تجري منذ سنوات عديدة، سوف تبلغ نهايتها».
والحال أنّ سجلّ نتنياهو، منذ واقعة انتخابه وحتى خطبته الأخيرة أمام الجلسة الخاصة المشتركة للكونغرس الأمريكي، كان يرتد في بداياته إلى أواخر آذار (مارس) 1993، حين انتُخب زعيماً لحزب الليكود؛ ثمّ يمرّ بنقمة الناخب عليه، في سنة 1999، حين مُني بهزيمة ساحقة مهينة أمام إيهود باراك، أجبرته على الاستقالة الفورية؛ وهو ذاته الذي أعادته صناديق الاقتراع من حيث أجبرته على المغادرة، وها أنه يتطلع اليوم إلى عودة أخرى جديدة، من بوّابة البرنامج النووي الإيراني، ومن سدّة الكونغرس ومنبر الـAIPAC….
وإذا كانت هذه الحلقة التعاقبية، الأشبه بالباب الدوّار، هي بعض قواعد لعبة تبادل السلطة في إسرائيل؛ فإنها، من جانب آخر، تعكس مقداراً وافراً من ذلك المزاج الخاصّ المركزي الذي يتحكّم بالناخب الإسرائيلي حين ينفرد بنفسه أمام صندوق الإقتراع: مزاج الخوف من السلام، الذي يبلغ درجة الرهاب؛ والانكفاء إلى الشرنقة الأمنية كلما لاحت تباشير تسوية ملموسة تتضمّن، أوّل ما تتضمّن بالطبع، هذه أو تلك من الانسحابات الإسرائيلية؛ والارتياب في الجوار الإقليمي، تركيا وإيران أساساً، حتى حين ينظّر صهاينة مخضرمون بأنّ إيران صديقة لإسرائيل في العمق، جيو ـ سياسياً أوّلاً، وثقافياً وتاريخياً ثانياً.
صحيفة «هآرتس» تهكمت على نتنياهو، الذي هبط من الطائرة العائدة به إلى إسرائيل من غزوته الأمريكية، لا لكي يتوجه إلى بيته أو إلى مكتبه؛ بل لكي يهرع إلى صالة الصحافة، فوراً ودون إبطاء، للردّ على تعليقات الرئيس الأمريكي باراك أوباما، خاصة قول الأخير أنّ خطبة نتنياهو لم تأت بجديد، ولم تطرح بديلاً. لكنّ رئيس الوزراء ظلّ، وما يزال ـ تتابع «هآرتس»، ساخرة ـ يقلّب الرأي في البرنامج الاقتصادي لحملته الانتخابية، ذاك الغامض المستتر حبيس الادراج المقفلةن رغم أنه يهمّ الإسرائيليين أكثر من مسرح الكونغرس، ولعله يورقهم أكثر من النووي الإيراني ذاته.
في المقابل، كانت سخرية الصحافة الأمريكية من غزوة نتنياهو تعيد التذكير بذلك الموقف الحادّ الذي اتخذته أسبوعية الـ»إيكونوميست» البريطانية من رئيس الوزراء الإسرائيلي، حين أطلقت عليه صفة «الأخرق على حلقات». الأمر الذي لا يبدّل حقيقة موازية، ذكّرت بها خطبة نتنياهو أمام الكونغرس: أنّ حماقة غالبية أعضاء الكونغرس ليست أقلّ انحطاطاً من الأحمق نفسه، خاصة حين تُقرع طبول الحرب في مسرح الحمقى!
القدس العربي _ وطن اف ام