مقالات

عبد الباسط سيدا : الثورة السورية في عامها الخامس.. تحديات ومراجعات

قبل أربعة أعوام، وبالتحديد في بدايات ربيع 2011، انطلقت الثورة الســــورية وهي تنشد الربيع المنتظر، الربيع الذي يضمن لشعب سورية بكل مكوّناته وتوجهاته، ولأجيال سورية القادمة، مستقبلاً حراً كريماً، بعيداً من سلطة الاستبداد والفساد والإفساد التي تحكم بلادنا منذ نحو نصف قرن، السلطة التي سطّحت العقول والضمائر، وسدّت الآفاق أمام الشباب المتطلع نحو تمثّل مبادئ العصر، والتمتّع بنتائج حضارته، وأفسدت الحياة العامة والخاصة، ومنعت حرية التعبير بالحديد والنار، بل منعت السوريين والسوريات من الشعور بقيمتهم الإنسانية.

خرج شبابنا من كل المذاهب والأديان والطوائف والقوميات، مطالبين عبر تظاهراتهم السلمية بضرورة إنهاء الأوضاع غير الطبيعية لسورية على مدى عقود. وكانت تظاهراتهم مهرجانات احتفالية حضارية، بل أعرساً وطنية تجسّد كل ما هو جميل ونبيل. طالبوا بالإصلاح، لكن النظام واجههم بالقتل والتدمير، واتهمهم منذ اليوم الأول بالإرهاب، وحاول المستحيل للإساءة إلى سمعتهم وحجب جهودهم المخلصة المطالبة بدولة مدنية ديموقراطية تعددية، تضمن حقوق جميع مكوّناتها، بعيداً من التمييز والاقصاء والتهميش.
واستمرّ شعبنا في ثورته السلمية المشروعة، واستمرّ النظام اللاشرعي في وحشيته وجرائمه، فارتكب المجازر تلو المجازر، واستخدم كل أنواع الأسلحة ضد شعبنا في مدننا وبلداتنا وقرانا الآمنة، بما في ذلك الأسحلة الكيماوية. وحينما أيقن أن الأمور بدأت تخرج عن دائرة تحكّمه، استعان بميليشيات حلفائه الطائفية، وجدّد تعاونه مع المنظمات المتشددة الإرهابية القريبة من القاعدة، بل المزاودة عليها، مستخدماً اياها أداة لإرباك الثوار في المناطق المحررة، ودعاية إيهامية هدفها الربط بين الثورة والإرهاب.
واستمر النظام في ألاعيبه وأحابيله، مستغلاً سلبية المجتمع الدولي وتقاعسه، ومعتمداً على دعم حلفائه في روسيا وإيران والعراق ولبنان، الذين غطّوه سياسياً، وأمدّوه بالسلاح والمال والرجال، ما أدّى إلى قتل أكثر من 250 ألف انسان، وتشريد نصف سكان سورية، وتدمير سورية بكل ما تعنيه الكلمة من معنى.
ومع ذلك، لم يتحرّك العالم لتقديم المساعدة المطلوبة، وأصبحت الثورة أسيرة الحسابات الإقليمية والدولية، التي لا تُعطي أية أهمية لتطلعات السوريين المشروعة، وحقهم الطبيعي في الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية.
وفي يومنا الراهن، نسمع أصواتاً كثيرة ممن أعلنوا أنفسهم منذ بداية الثورة اصدقاء للشعب السوري، يطالبون بامكانية غضّ النظر عن جرائم الاستبداد للتركيز على جرائم الإرهاب، فيما الجميع يعلم أن الإرهاب الداعشي، وغيره مما تشهده سورية اليوم، هو حصيلة إرهاب النظام، بل من صنع هذا النظام الخبير في ميدان التعامل مع المجموعات والمنظمات الإرهابية منذ بداية عهده، وحتى وقتنا هذا.
الشعب السوري اليوم بين نارين: الاستبداد والإرهاب. والطرفان يصرّان على منع هذا الشعب الأبي من بلوغ أهداف ثورته النبيلة التي جسّدت إرادة جميع السوريين والسوريات. لكن النظام بخبرته وامكاناته، وبفعل الدعم اللامحدود الذي حصل، ويحصل، عليه من حلفائه، تمكّن من تسويق رأي زائف أساء كثيراً إلى الثورة المدنية الديموقراطية، البعيدة من كل أشكال التعصب سواء الديني أم القومي أم الإيديولوجي.
لا ننكر أن الظروف الحالية التي تعيشها الثورة السورية صعبة، لكن شعبنا مستمر في ثورته، ويدرك طبيعة المؤامرات والأحابيل التي استهدفتها. وهو مؤمن بعدالة قضيته، متمسك بحقوقه المشروعة، وقد أكسبته التجارب القاسية خلال السنوات الأربع المنصرمة الكثير من الخبرة والحكمة. والقوى المدنية الديموقراطية السورية تُجري اليوم عملية تقويم كبرى لما حدث، وتعيد ترتيب أفكارها وأولياتها لتجاوز الأخطار التي نشأت، وتعمل لتنظيم الصفوف، وتركيز الجهود، بصورة أفضل، حتى يتمكّن شعبنا من القطع النهائي مع الاستبداد القاتل والإرهاب الهمجي البدائي.
الثورة ستستمر، وستنتصر في نهاية المطاف، وسيثبت شعبنا للعالم كله أن من قدّم أبجدية الحرف في يوم ما، قادر على تجديد رسالته الحضارية بما ينسجم مع قيم العصر وروحيته.

الحياة _ وطن اف ام 

زر الذهاب إلى الأعلى