غداة الذكرى الرابعة لانطلاق الثورة السورية كرّر وزير الخارجية الأمريكية جون كيري تصريحاته المعتادة حول الشأن السوري غير أن وكالات الأنباء اعتبرت قوله إن الولايات المتحدة الأمريكية عليها أن تتفاوض «في النهاية» مع الأسد تغييراً أمريكياً ملحوظا بحيث بدا التصريح هبوطاً بالأجندة المعلنة السابقة عن مطلب رحيل الأسد إلى «الضغط من أجل حثه» على التفاوض.
وبغض النظر عن تفاصيل التصريح فالواضح أن المسألة السورية تتأثر حالياً بعاملين كبيرين ضمن المنظور الأمريكي:
الأول هو معالم الاقتراب من التوصل إلى «اتفاق جيّد» مع إيران خلال الأيام المقبلة بحسب تصريح كيري نفسه (أو إلى «اتفاق سيء للغاية» بحسب زعيم الأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ الأمريكي ميتش ماكونيل).
والثاني هو التنامي الكبير لقوة تنظيم «الدولة الإسلامية» في سوريا، إضافة إلى النفوذ المتزايد لـ»جبهة النصرة» (الفرع المعلن لتنظيم «القاعدة» في سوريا)، وهما طرفان يعتبر القضاء عليهما أولوية استراتيجية أمريكية تتفوّق على مطلب إزاحة الرئيس السوري عن السلطة.
يشير تصريح كيري حول التفاوض مع الأسد قبيل سفره إلى جنيف للقاء وزير الخارجية الإيراني محمد ظريف إلى أن أمريكا وإيران قد تكونان في صدد بلورة معالم صفقة شاملة لا تتناول برنامج طهران النووي فحسب بل تعزّز نفوذها الإقليمي في المنطقة العربية، وهو ما يعبئ الفراغات الغامضة في تفاصيل التحالف الواضح المعالم بين واشنطن وطهران (أرضاً وجوّاً) في سوريا والعراق… واليمن.
دخول الثورة السورية عامها الخامس وتصريح كيري يذكّراننا بأن السبب الحقيقي لـ»صمود» الأسد، الذي أدّى (ضمن تفاصيل الكوارث الكبيرة التي أدى إليها) إلى مقتل أكثر من 215 ألف شخص، وجعل السوريين أكبر مجموعة بشرية لاجئة على الأرض (5،835 مليون لاجئ يشكلون 23٪ من نسبة نازحي العالم اليوم)، لم يكن فقط القراران الروسي والإيراني دعمه بالمال والسلاح والرجال بل كذلك الموقف الأمريكي الملتبس من الثورة السورية.
سياق العلاقات المعقّد بين إدارة أوباما والثورة السورية، يبدأ مع الأوهام التي غذّتها لدى المعارضة السورية بوقوفها معها، بعد ترؤسها مجموعة كبيرة من «أصدقاء الشعب السوري»، لكنّها قامت عملياً بالتقليص أو منع التمويل والتسليح النوعي عن المعارضة السياسية والعسكرية السورية. وكان تراجع إدارة أوباما عن ضرب النظام بعد استخدامه السلاح الكيميائي نقطة فاصلة في مسار هذه العلاقة.
أدّى تضافر كل هذه العوامل بالنتيجة إلى التدهور المستفحل للمعارضة العسكرية المعتدلة وذراعها السياسي، واستفحال شأن تنظيمي «الدولة الإسلامية» و»جبهة النصرة» من جهة، والميليشيات الطائفية المدعومة من إيران من جهة ثانية.
يكشف هذا المسار الدور الجوهريّ الذي لعبته أمريكا عملياً في تعاظم دور التنظيمين المتطرفين وفي حرف بوصلة الاستهداف عن النظام (وتوابعه الميليشياتية الإيرانية الدعم) باتجاههما، وهو ما يحمّلها، مع روسيا وإيران، مسؤولية عن تحويل قضية الشعب السوري من ثورة ضد الاستبداد إلى قضية تنظيمات متطرفة ولاجئين، وإلى صراع طائفي يقسم المنطقة.
أيّا كانت تفاصيل الصفقة الإيرانية الأمريكية المقبلة فهي لن تغيّر من حقيقة أن طيران التحالف في سوريا والعراق (وطائراته بدون طيّار في اليمن)، أصبح الذراع الجوّية لإيران وميليشياتها، وأن تصريح كيري سيترجم في منهج نظام الأسد إلى المزيد من البراميل المتفجرة والصواريخ والتعذيب حتى الموت وتغيير الديمغرافيا البشرية لسوريا وتهديم نسيجها الاجتماعي والاقتصادي.
… وكل ذلك لا يعني غير إعادة إنتاج الأزمة ولكن بمفاعيل كارثية أكبر.
القدس العربي _ وطن اف ام