مقالات

هل ضربت «عاصفة الحزم» سوريا أيضاً؟

يمكن احتساب سقوط مدينتي بصرى الشام (جنوب سوريا) وإدلب (في شمالها) والسيطرة على نصيب، آخر معبر حدودي مع الأردن، في يد قوّات المعارضة السورية بعضاً من جولات الكرّ والفرّ التي تبادل خلالها الطرفان، الموالي والمعارض، مناطق على الأرض، دون إخلال حقيقي بميزان القوى الذي استقرّ بعد سقوط حمص في يد النظام ودخول المعارضة إلى مدينة حلب… لكنّ إشارات عديدة تقول إن المسألة قد لا تكون كذلك.

بعض الأنباء المستقاة من جانب النظام السوري تشير إلى بدء سلطاته نقل أرشيفها ووثائقها من مدينة درعا، في استعداد على ما يبدو لإمكانية سقوطها في يد المعارضة هي أيضاً، وهو أمر يعكس ضغط فصائل المعارضة العسكري الكبير المتزايد من الجنوب والشمال والوسط، والتراجع المستمر في إمكانيات النظام العسكرية.

وفي ظل تراجع زخم مشاركة المقاتلين الأجانب لصالح النظام، نتيجة عودة الكثير من أفراد الميليشيات العراقية بسبب الأحداث هناك، والضربات الكبيرة التي تلقّاها «حزب الله» اللبناني في معارك القلمون وبصرى وحلب، لجأ النظام إلى آليات القسر والشحن والتأجيج لاستنفار عصبيات الأقلّيات لخرطها في الصراع ضد المعارضة، واستجلاب عناصر مقاتلة من إيران وأفغانستان.

يدعّم ذلك ما ورد على لسان الزعيم اللبناني وليد جنبلاط الذي تحدّث عن تقاطر آلاف من جنود الحرس الثوري الإيراني إلى محافظة السويداء المحاذية لدرعا، وكذلك ما تسرّب من تفاصيل زيارة لونة الشبل، المذيعة السابقة في قناة «الجزيرة»، والمستشارة الإعلامية للرئيس السوري بشار الأسد حالياً، إلى السويداء (التي هي عاصمة الدروز الموحدين في سوريا) وتأنيبها أبناء المدينة بالقول إن عليهم «حماية الوطن بالصرماية (أي الحذاء، وهي استعارة تستخدم في معرض التعبير عن القسر والإجبار)» كما هددتهم بمن سمتهم «الدواعش التكفيريين» إذا استمروا في سياسة منع أبنائهم من خدمة جيش النظام، وهي منهجية متوافق عليها محلّيا تعبّر عن محاولة الدروز عدم الانجرار الى طاحونة الدم التي يريد النظام زجهم فيها.

التقدّم اللافت لقوات المعارضة السورية بعد جمود كبير يدلّ على تغيّرين، محلّي وإقليمي، يتعلّق الأول بتوحّد جهود فصائل كثيرة، كما حصل مع «جيش الفتح» في الشمال، ويرتبط الثاني بوجود قرار إقليميّ بمنح المعارضة السورية الدعم المالي والعسكري اللذين استخدما سابقاً لتشتيتها وشرذمتها وإبقائها داخل حيّز معيّن لا تتجاوزه، وكذلك بقبول لهذا الواقع الجديد من قبل الولايات المتحدة الأمريكية (ومن ورائها إسرائيل) التي ربّما كانت العامل الأكبر في حجب السلاح النوعيّ عن المعارضة السورية، وبالتالي في منعها من تغيير حقيقي لموازين القوى على الأرض.
وبهذا المعنى فإن ما يحصل في سوريا هو الجانب الآخر لـ»عاصفة الحزم» والتي تضرب خصومها على جبهتين.

لا يتجاهل هذا التحليل عوامل أخرى معقّدة فاعلة في المشهد بينها ظهور واستفحال أثر تنظيم «الدولة الإسلامية»، لكنّ هذا الظهور شديد الارتباط بالضغط الكبير الذي مورس على الشعب السوري، وهو مخزن المعارضة وحاضنتها البشرية، ليس من قبل النظام السوري وبراميله المتفجرة، وحلفائه اللبنانيين والعراقيين، وغطائه الروسيّ فحسب، بل من قبل «أصدقائه» و»حلفائه» العرب والأجانب الذين خذلوه وأنكروا حقوقه وحوّلوا قضيته إلى أزمة نازحين من جهة، ومشكلة إرهابيين من جهة أخرى.

القدس العربي _ وطن اف ام

زر الذهاب إلى الأعلى