مقالات

عمر قدور : نكتة موسكو

لم تكن النكتة في أن يذهب معارضون سوريون، ويتحملوا للمرة الثانية إهانات ممثل النظام في منتدى موسكو، فهذه ربما يُسوّق تبريرها بذريعة تجاوز الإهانات الشخصية كرمى لتحقيق اختراق سياسي.

وليست النكتة في أن يرفض ممثل النظام، للمرة الثانية أيضاً، مجرد استلام قائمة بجزء من أسماء المعتقلين، وأن يُعدّ رفضه دلالة على التعنت والعنجهية، وعلى عدم احترامه السوريين! فوق ذلك ليست النكتة في جلوس شخصيات موالية في مقاعد “المعارضة”، ومنها شخصيات تعلن مؤازرتها قوات النظام في الحرب على السوريين، فهذه كانت نكتة في “موسكو1″، وتكرارها يفقدها الطرافة.

النكتة الحقيقية أتت من ورقة النظام المقدَّمة إلى المنتدى، وأُقرّ منها البند الأول، لأنها ورقة لا تخفي طموحها في تشغيل المجتمعين، ومن ثم المجتمع الدولي قاطبة، بإعادة الوضع في سوريا إلى ما كان عليه قبل الثورة. ولعل البند السادس منها يحمل أبلغ إشارة عن تصورات النظام للحل فهو ينص على: “مطالبة المجتمع الدولي بالمساعدة على إعادة اللاجئين إلى وطنهم وتهيئة الظروف المناسبة لإعادة المهجرين”. لندع جانباً إغفال المسؤولية عن تهجير ملايين السوريين وحتى عن استخدام كلمة عامة مثل “وطنهم”، ففحوى هذا البند هو تحميل المجتمع الدولي مسؤولية الدمار الذي ألحقه النظام بالبلاد، ومطالبته بتولي إعادة إعمارها أو بالأحرى تمويل إعادة الإعمار عن طريق النظام نفسه، ليتسنى للأخير ممارسة ما اعتاد عليه من نهب.

ومع أن شرح أي نكتة يفقدها تأثيرها المضحك إلا أن قراءة ورقة النظام ضرورية لفهم ما يريده من الحل السياسي العتيد، وضرورية أيضاً لمعرفة مقدار “التقدم” في موقع حلفائه الروس لجهة فهمهم للمتغيرات السورية، فإما أنهم غير قادرين على إقناع النظام بالحد الأدنى من متطلبات الحل، أو أنهم متفقون معه على ورقته ويريدون تسويقها في منتداهم، على أمل تسويقها دولياً في ما بعد.
نحن حقاً إزاء ورقة “طموحة” جداً، فبعد استهلالها بالحديث عن تسوية “الأزمة السورية” بالوسائل السياسية على أساس توافقي بناء على جنيف1 تذهب إلى إفراغ هذا البند من مضمونه، وسيكون واضحاً في البنود التالية إبراز ما يرفضه النظام مع عدم وجود أدنى إشارة إلى تصوره عن المستقبل. على سبيل المثال، النظام يرفض أي تسوية تقوم على المحاصصة العرقية أو المذهبية أو الطائفية، لكنه في المقابل لا يشير إلى نوع النظام السياسي الذي يكفل للسوريين حقوقهم. وبعد تطرق ورقته إلى ما تسميه محددات أي عملية سياسية تخلص في البند اللاحق إلى أن “التسوية السياسية ستؤدي إلى تكاتف وحشد طاقات الشعب في مواجهة الإرهاب وهزيمته، ويجب أن تؤدي هذه التسوية إلى حصر السلاح في أيدي مؤسسات الدولة”.

وكما نعلم للنظام تفسير خاص للإرهاب وصم به الثورة منذ اندلاعها وقبل وجود الإرهاب الدولي وسيطرته على جزء من الأراضي السورية. أي أن التسوية من وجهة نظره ينبغي أن تخلص إلى تكاتف وحشد طاقات الشعب حوله ونزع السلاح من أيدي معارضيه جميعاً، على اعتبار أن التسوية المنشودة ستكون بقيادته، بل ستعززها هذه المرة بتفويض دولي غير مسبوق. أما رفضه المحاصصة فلا يمكن فهمه على منوال رفضها من قبل آخرين يريدون دولة ديمقراطية، رفض النظام مبني على رفض اقتسام السلطة تحت أي بند، وعلى رفض أي محددات دستورية تمنعه من احتكار السلطة. ملخص ورقة النظام هو إبطال كل ما جرى خلال السنوات الأربع الأخيرة، والطلب من الآخرين مساعدته على إعادة الزمن إلى الوراء، وربما مساعدته أيضاً على امتلاك قدر من القوة أمام الاحتلال الحليف الذي استقدمه.

مع انعقاد منتدى موسكو كانت قوات النظام تمطر مدينتي حلب وإدلب بالبراميل المتفجرة. ستكون نكتة إضافية لو ربطنا بين الحدثين، أو اعتبرنا تصعيده ذاك نوعاً من الضغط على مفاوضيه. ففي الواقع هو ليس في وارد الإعلاء من شأنهم على هذا النحو، ولا حتى في وارد إضفاء صفة تمثيلية من أي نوع عليهم، بل يروقه أكثر طوال المفاوضات إفهامهم ألا وزن لهم، وأن مجرد التحاور معهم هو تنازل منه.

لن يكون مهماً أن تنتهي جلسات موسكو بإقرار بند وحيد من ورقة النظام، وعدم التطرق إلى ورقة “المعارضين” على علاتها، فحلقات منتدى موسكو ستستمر إلى أن تُقر كافة بنود الورقة، وفي كل مرة سيرفض بشار الجعفري استلام لائحة بأسماء المعتقلين، الذين ربما يقتلون في هذه الأثناء تحت التعذيب؛ وفي كل مرة سيتشكى أعضاء الوفد “المعارض” من عنجهية وفد النظام، ويعتقدون “عن براءة” أنهم يفضحونه أمام وسائل الإعلام. من هذه الجهة على الأقل أظهر مقاتلو المعارضة حنكة سياسية أكبر في مفاوضة النظام، إذ طالبوا في أكثر من جولة بحضور إيراني ضامن وكان لهم ما أرادوا، والأهم أنهم لم يتصاغروا أمام وفد النظام بل وضعوه في موقعه الصحيح.

المدن _ وطن اف ام

زر الذهاب إلى الأعلى