لم تكن كذبة نيسان، عندما انتشر خبر دخول “داعش” مخيم اليرموك، لكن التنظيم انتشر في المخيم بسرعة انتشار الكذبة نفسها، حتى أذاعت إحدى القنوات “المتفائلة” أن التنظيم يسيطر على 90% من المخيم! وتوحي هذه النسبة بالكثير، لكن مساحة المخيم كلها تتكور ضمن ما يزيد قليلاً على نصف كيلومتر مربع، يكتظ بالسكان وتتلاصق أبنيتُه بودٍّ بارد، برودة الإسمنت.
سيطرت على المخيم، مدة طويلة، مجموعةُ أكناف بيت المقدس، وأطبق النظام السوري حوله حصاراً صارماً، وتعامَل مع قاطنيه بجفاءٍ، وصل إلى حد قطع مستلزمات العيش عنه.
لا يعرف أحدٌ، حتى الآن، شيئاً عن آليات تفكير تنظيم الدولة؛ وتكتيكاته عندما يهاجم، أو يدافع. وينضوي الهجوم الأخير تحت عنوان مبهم من التعاطي العسكري والسياسي للتنظيم؛ ففجأة قرر أن يتمدد خارج فردوسه الجنوبي الهادئ في الحَجَر الأسود، حيث كان يتمتع هناك بوجود قوي ومستقر. ومع بداية إبريل/ نيسان الجاري، تسلل عبر منافذ وبوابات تسيطر عليها جبهة النصرة إلى مخيم اليرموك، وسرعان ما عاث في المخيم احتلالاً، على حساب أكناف بيت المقدس، وازدادت مِحَنُ قاطني المخيم الذين يرزحون، أصلاً، تحت وابل من قصف النظام، وشحٍّ خانق في المواد الأولية.
على ذمة برنامج الخرائط العالمي، غوغل، يبعد المخيم خمسة كيلومترات عن ساحة الأمويين التي تمثل أيقونة سيطرة النظام، وتمثل المسافة المدى المجدي لسلاح متوسط، يستطيع رَجُلان جره واستعماله بسهولة، ووجود داعش على مسافة قصيرة من النظام يبدو من باب رفع البطاقات الحمراء في وجهه، وربما ساعدت جبهة النصرة تنظيم الدولة، زميلها اللدود، في إحراز مساحة قريبة من النظام، على حساب مجموعة أكناف بيت المقدس التي لم تبْدِ رغبةً في تجاوز شارع اليرموك، أو شارع صلاح الدين اللذين يحدان المخيم، فيما يظهر طموح التنظيم جامحاً في إقامة نظام خلافة عالمي، يضم بالإضافة إلى الموصل، وعلى سبيل الدعابة، جزيرةَ مانهاتن الأميركية! لذلك، أبدت جبهة النصرة تعاطفاً وتواطؤاً من تحت الطاولة في تسهيل عملية الدخول.
لا يمثل وجود تنظيم الدولة، حتى الآن، في المخيم تهديداً عسكرياً جدياً للنظام الذي أبدى بروداً تجاه الخبر، واكتفى بعدة طلعات جوية أسقط فيها بعضاً من براميله التقليدية، وحرص على تسليح قوى فلسطينية تابعة له ودعمها، وشدد قبضته الخانقة على السكان، وهذا سلوك تقليدي في مثل هذه الحالات، فيما أثبت تنظيم الدولة وجوده بقطع بعض الرؤوس، لا على التعيين، تقليداً وعلامة مميزة لدولة الخلافة، لكنه لم يتمتع بالهدوء الذي كان يتمتع به في الحجر الأسود، إذ ما يزال التنظيم يواجه مقاومة متفرقة، وأحياناً اختراقات تجبره على التراجع قليلاً، ويُجبر، أحياناً، أخرى على خوض معارك متفرقة، للسيطرة على شارع أو بناء أو زاوية، هنا أو هناك.
يحاول داعش الذي يحظى بظهور باهت في كل مناطق الجنوب زرع رأس جسر له في مخيم اليرموك، وسيحاول جاهداً التمسك بهذا المركز المتقدم الذي يبدو مهماً في معركة دمشق. وقد وضعت جبهة النصرة بصمة مهمة في المعركة، بالتغاضي عن التنظيم الذي يتهم الجبهة “بالردة”، والمشكلة الحقيقية عند نظام الأسد ستبدأ، فعلاً، إذا نجح التنظيم في التمسك بالمخيم، ووجد طريقة له لتدعيم مواقعه فيها. عندها، سيجد النظام نفسه مرغماً على إنشاء خط دفاعي جديد، يستهلك فيه مجاميع جديدة من قواته، في مقابل داعش الذي يبدو سعيداً، كلما أتيحت له مواجهة مباشرة مع النظام المنهك. لذلك، قد لا يفوت التنظيم فرصة ثمينة، مثل فرصة مخيم اليرموك.
في المخيم نفسه الذي تقطنه غالبية فلسطينية، قُتل الممثل السوري الكوميدي، ياسين بقوش، وخطَّ رجل مجهول على بوابة محل تجاري مغلق “والله جوعان”. وقد تدور معركة فاصلة ومهمة في سياق الحرب الكبرى، طرفاها غاية في التطرف، وأسلحتها الكوميديا المقتولة والجوع الذي يعربد في كل خرائب المخيم.
المصدر : العربي الجديد