استقال الوسيط الدولي في اليمن السيد جمال بنعمر بعد أربع سنوات من الإخفاق في تحقيق أي بوصة من التقدم في أي اتجاه. الذي حدث هو العكس تمامًا: غطت وساطته ووعودها وبَلادتها على زحف الحوثيين من صعدة إلى عمران، إلى صنعاء، ومحاولة السطو على عدن. وطوال السنوات الأربع، حرص المبعوث المغربي على أن يساوي، بكل حيادية، بين القاتل والضحية، والطاعن والمطعون. لرئيسه السيد بان كي مون، أن يسأله كم كلف الأمم المتحدة في هذه المهمة من المال، وكم كلف اليمن من ضياع الوقت، وكم كلف الوضع الدولي من الانزلاق؟
هل كنا نتوقع المعجزات من السيد بنعمر؟ لا. هل كان يملك قوة ساحرة ولم يستخدمها؟ لا. هل كان يعرف ذلك؟ نعم. لماذا قرر إذن أن يبقى 4 سنين في مهمة بائسة؟ ولماذا لم يستقل إلا بعد يوم من قرار مجلس الأمن شبه الإجماعي بتسمية الحوثيين كمرتكب في النزاع؟ المال الذي صرفته المنظمة ليس مهمًا. لا هو الهدر الأول ولا العبء الأخير. لكن المنظمة ومبعوثها شريكان في عملية غش واضحة. ومهمة الوسيط ليس أن يكون «على مسافة واحدة من جميع الأطراف»، بل أن يحول دون استفحال الخراب واسترضاء المخرِّب، وأن تكون له الشجاعة الأدبية (والمادية) على كشف المسؤولية في الجريمة، أو الاستقالة والعودة إلى منزله أو إلى مكاتب الأمانة العامة.
لا نشك لحظة في نية السيد بان كي مون. وجميعنا نعرف محدوديات المنصب. لكن مبعوثه هذه المرة شارك في تغطية عملية اجتياح كبرى. ولم يكن له من الشجاعة ما كان للجزائري العريق الأخضر الإبراهيمي، الذي رفض الاستمرار في الخداع في النزاع السوري. وعندما كان وسيطًا في حرب لبنان، لم يكن «على مسافة واحدة من الجميع»، بل كان يقول للمخرب المتسلط: لست هنا لكي أستمع إليك، بل لكي تستمع أنت إليَّ. أنت تمثل المشكل، أما أنا فأمثل الحل. والحل يقتضي أن تمضي.
منعت نفسي طويلاً من الكتابة عن السيد بنعمر. كنت أقول في نفسي: لسنا نعرف ما يكفي عن المعوقات التي تقف في وجهه. وكنت أقول إنه ضحية الثعالب والخداع في الصراع، فلماذا لا نذهب مباشرة إلى حواة الأفاعي وأهل هذه الثقافة المريعة في إدارة الأوطان ومخاطبة الشعوب؟! لكن في النهاية، مجلس الأمن هو الذي قال رأيه في «الوسيط». وهو الذي حسم الأمر بين الهدوء والبلادة. وهو الذي قال للمرتكب: أنا هنا لكي تسمعني، لا لكي أسمعك.
المصدر : الشرق الاوسط