لطالما اتّهمت المعارضة السورية تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) بانتهاج استراتيجية تخدم النظام السوري وإيران، وحاول بعض المحللين السوريين والعرب والغربيين تشخيص هذه الظاهرة منذ ولادتها وحتى مآلاتها الحالية، وكثرت التحليلات والاستنتاجات، ونُشرت مئات المقالات والدراسات عن عنفه وإرهابه أكثر بكثير مما نُشر عن عنف النظام السوري، كما نُشرت كتب كاملة حول هذا التنظيم، بالعربية وبلغات الأرض الأخرى، وقد بعثر هذا التنظيم السوريين وساهم في تشتيت شملهم وأوشك أن يُطيح بثورتهم.
انقسمت التحليلات بين من يؤكد على الأصل (القاعدي) لهذا التنظيم المُحدث والتنظيمات المتشددة العابرة للقارات، وبين من يشير إلى ارتباطه ببعث العراق المُنحل، وبين رأي ثالث يبرهن على ارتباط هذا التنظيم بالاستخبارات السورية وبملالي إيران أو برجال مال ودين عرب متطرفين، وراح بعضها ينسُج علاقة بين هذا التنظيم وإسرائيل وأخرى بينه وبين الولايات المتحدة أو روسيا، والخلاصة هي أنه لم يبق احتمال إلا ووجد من يتبناه.
العنوان العريض لهذا التنظيم أنه تنظيم مسلّح يوصف بالإرهاب ويتبنى الفكر السلفي الجهادي ويهدف إلى إعادة الخلافة الإسلامية وتطبيق الشريعة وينشط بشكل رئيسي في سوريا والعراق وله فروع في ليبيا واليمن ومصر والصومال وغيرها، ويتبنى أسلوبا عنيفا لا يرحم، يدمّر خصومه بعنف، ويستقطب مقاتليه وأنصاره من مختلف أصقاع العالم، لكن هذا التعريف الفضفاض يثير الكثير من الأسئلة التي تصعب الإجابة عنها، خاصة عندما يتعلّق الأمر بالنشأة والتمويل والاستراتيجية والتكتيك والسرعة في الصعود والمواجهة والصمود.
من الصعوبة بمكان معرفة أسرار نشأة هذا التنظيم وتبسيط تركيبته وأدواته واستراتيجياته، بل ومن الخطأ ربطه بجهة واحدة أو بنهج واحد، وهناك تناقض في توصيفه كتنظيم واحد هرمي متماسك، فالتناقضات التي يحملها هذا التنظيم والنتائج المتباينة لأدائه في المناطق المختلفة من سوريا والعراق تشير إلى غير ذلك.
بالمقابل، من السهولة بمكان التمييز بين أسلوب هذا التنظيم في العراق ونهجه في سوريا، ومن اليسير معرفة المستفيدين من نتائج أعماله، ومعرفة المتضرر الأول من حروبه الفكرية والعسكرية، ووفق منطق إمكانية معرفة المجرم عن طريق معرفة المستفيد من الجريمة، يمكن استنتاج أن (داعش) عبارة عن شركة مساهمة مغفلة للكثيرين حصة فيها، وهم لا يعرفون بعضهم، وجميعهم مساهمون بأسهم في سنداتها القابلة للتداول والبيع، وبالتالي يمكن وفق هذا المنطق تحديد مسؤولية كل مساهم وفق قيمة حصته من موجوداتها.
ما يمكن أن يُضاف إلى هذا التعريف (السريالي) أن المساهمين هنا هم في غالبيتهم دول وليسوا أفرادا، دول استفادت من جزء من استراتيجية هذا التنظيم فدعمته بهذه الجزئية أو تلك لتحقيق أهدافها، وحصلت بالتالي على عوائد لاستثمارها في هذا التنظيم، وجنت أرباحا لا يمكن أن تجنيها من أيّ تجارة أخرى أو من أيّ سياسة أخرى.
استطرادا لما سبق، يمكن تصنيف المساهمين في تنظيم الدولة إلى ثلاث فئات، وفقا لحجم الاستثمار، كبيرة رئيسية ومتوسطة وثالثة صغيرة تشابه تلك التي تضارب بالأسهم دون أيّ خبرة سابقة.
يختلف هذا التصنيف لتنظيم الدولة الإسلامية عن التصنيفات الأمنية والعسكرية والسياسية الرائجة، وهو في نفس الوقت لا ينفي عنها صفة الكيان العسكري السياسي التكفيري، بل يُقارب هذه الظاهرة من ظواهر أقرب للفهم من عالم السياسة والعسكرة المعقّد.
وفق هذه المقاربة، نلمس بشكل واضح أن النظام السوري هو أهم مساهم في هذا التنظيم، ومن بعده تأتي إيران، هذا الكلام يصحّ في سوريا على الأقل، فالتنظيم لم يقم بأيّ عمليات ذات معنى ضد النظام طوال سنوات الثورة، أي منذ تأسيسه، وكان عاملا رئيسيا في حرف أنظار العالم عن الثورة السورية، وشماعة لتبرير أخطاء النظام، وحجّة لتدخل إيران في المنطقة، وسببا في إخفاق الجيش الحر وتشتيت قوى الثورة وإضعافها، وفزاعة لتخويف الغرب مما يجري في سوريا، وممحاة لمحو جرائم النظام من الذاكرة الآنية، ومبررا لدخول ميليشيات طائفية للوقوف في وجهه، ومغناطيسا لاستقطاب كل متطرفي الأرض إلى سوريا وفق ما يهوى النظام، وبالمحصلة لم يستفد منه المعارضون للنظام وأصحاب الثورة بشيء، ولطالما كان دائما مرادفا للنظام بالنسبة إليهم.
من طرف آخر ليست عمليات التنظيم كلها تصب في مصلحة النظام، فهناك عمليات لا يستفيد منها أو لا يريدها أن تحدث، كما أن النظام قد لا يعنيه ما يقوم به هذا التنظيم في العراق بنفس القدر الذي يعنيه ما يقوم به في سوريا، وعليه يمكن استنتاج أن هذه العمليات الأخرى هي مكاسب للمساهمين الآخرين الذين لهم حق في هذا التنظيم وفقا لحصتهم ونسبتهم.
قد يكون هناك أفراد يدعمون التنظيم، أو وجود تنظيمات دولية متشددة هنا وهناك تساعده، أو دول عربية أو حتى غربية، لكن الحصص مضمونة للجميع طالما أن المكاسب ستوزع بالتساوي وفقا لرأس المال، وهو هنا افتراضي، فالشركة المساهمة المغفلة تحفظ حقوق مساهميها بدقة وبالعدل والقسطاط.
وفق المبادئ الاقتصادية، يعني انسحاب الشركاء الكبار انهيار الشركة، أو بيعها لمهتمين آخرين، وبما أن الوحل السوري بات طاردا لكل الاستثمارات، ولا أحد يرغب بالبصرة بعد خرابها، فإنه بالتناظر (السريالي أيضا)، يمكن الاستنتاج بأن كفّ يد سوريا وإيران عن هذه الشركة المساهمة سيؤدي لانهيارها بسرعة، سرعة أكبر بكثير من سرعة ظهورها، وهذا ما يأمل السوريون أن يتحقق في القريب العاجل.
العرب اللندنية _ وطن اف ام