رسمت عملية عاصفة الحزم العسكرية ملامح عصر جديد للشرق الأوسط، حيث بدأ عصر ينحسر عن المنطقة، وستتساقط الولايات الإيرانية في المنطقة العربية، واحدة تلو الأخرى، كانت البداية بسقوط ولاية الحوثي الإيرانية في اليمن.
وبدأ يشعر حسن نصر الله بأن عصر الغوغائية انتهى، وبدأ عصر الدولة الذي بدأ من لبنان، بعد وصول أول شحنة أسلحة من فرنسا قدمتها السعودية للجيش اللبناني الوطني، لتحييد قوة نصر الله التي كان يهدد بها السلم الأهلي في لبنان، وهو لا يعترف بالسيادة في بلده، بعد مبايعته ولاية الفقيه في طهران. وجعلت عاصفة الحزم محاولات إيرانية توحي بعمق حالة اليأس التي طغت على الإيرانيين عن فعل شيء لحلفائها الحوثيين في اليمن، إزاء متانة التحالف العربي الذي ضرب أحلامهم التوسعية في مقتل.
وأفشلت المناورات العسكرية بين مصر والسعودية طموحات إيران في تفكيك التحالف، خصوصا بين مصر والسعودية، وحتى التدخل البري بعد هذه المناورات يبقى مفتوحاً بمشاركة مصر، كما أنها تندرج في إطار استراتيجية راسخة للدفاع المشترك تجاه أي أخطار تهدد المنطقة، على الرغم من أن تشكيل القوة العربية اقتراح مصري، قبل عاصفة الحزم، لكن العاصفة ستسرع في تشكيل تلك القوة، وهي النواة الحقيقية لها.
هناك خلافات بين مصر والسعودية حول عدد من الملفات الإقليمية، لكن مصر شاركت في “عاصفة الحزم” بقوات جوية وبحرية، وفي مناورات برية، وشددت على أن أمن الخليج جزء من الأمن القومي المصري، وأن التنسيق المشترك يتجاوز البعد اليمني الظرفي إلى البعد الاستراتيجي طويل المدى، الأمر الذي لم يلق ارتياحا من إيران وحليفها حزب الله اللبناني.
لم ينجح حزب الله في إفساد العلاقة الاستراتيجية بين مصر والسعودية، خصوصا حينما كان حسن نصرالله يغازل مصر بقوله (مثلما منعت مصر هدم قبر رسول الله، أطالبك بمنع السعودية هدم اليمن)، ولم يكتف بذلك، بل قدم شكره للبرلمان الباكستاني الذي اتخذ موقفا معاكسا لمصر، ورفض دخول بلاده الحرب على اليمن، وهو تحريض للقوى السياسية في مصر للضغط على السيسي، لكن مصر اتضحت لديها الرؤية المستقبلية، وهي صاحبة الدعوة لتشكيل قوة عربية مشتركة.
ولا يدرك حسن نصر الله العلاقة المتينة بين السعودية وباكستان، إذ كشفت إسرائيل أن السعودية الدولة الوحيدة في الشرق الأوسط تمتلك صواريخ برؤوس نووية، تعتقد أنها حصلت عليها من باكستان، ورئيس وزراء باكستان، نواز شريف، زار السعودية مع وفد رفيع ضم رئيس الأركان، استقبله الملك سلمان بن عبد العزيز، في قصر العوجا، ومعروف أن أي اجتماع يعقد في قصر العوجا يكون ذا طبيعة حاسمة.
متانة الدبلوماسية العربية، وصلابة العلاقات المصرية السعودية، حين ترفض مصر السماح لإيران بتخريب العلاقات المصرية السعودية، خصوصا بعد استقبال حسين أمير عبد اللهيان مساعد وزير الخارجية الإيراني السفير خالد عمارة رئيس مكتب رعاية المصالح المصرية في طهران، حينما قال له إن إيران تنظر إلى أمن المنطقة مجموعة مترابطة، وأن إيران ومصر، باعتبارهما بلدين كبيرين ورئيسيين، يتحملان مسؤولية أساسية، ودوراً كبيراً في صيانة استقرار المنطقة وأمنها.
بالطبع، كان رد مصر أن التصريحات الإيرانية تنم عن تناقض غير مفهوم. لأن مصر ترى أن دعم إيران الحوثيين بقوات عسكرية في اليمن هو تطويق مصر والسعودية من الجنوب، وأن عاصفة الحزم أفشلت هذا التطويق، ومنيت إيران بأكبر خسائر استراتيجية، كانت تحلم بها تاريخياً، ورضخت في تغيير مسار السفن التي كانت متجهة إلى اليمن، بعد تهديد الولايات المتحدة بأنها ترفض حرباً شاملة، وأن تتحمل إيران العواقب.
ويعتبر الاجتماع الأول لقادة أركان الجيوش العربية اللبنة الأولى في مسار تشكيل قوة عربية مشتركة، تهدف إلى مواجهة التحديات الأمنية المتوترة التي تهدد أمن المنطقة، وعلى الرغم من صعوبات متوقع أن تشهدها عملية ولادة القوة، إلا أن عاصفة الحزم يمكن أن تعتبر النواة الحقيقية لتلك القوة، وهي تجربة مثيرة يمكن الاقتداء بها.
ويكفي أن قرار إنشاء قوة عربية مشتركة يترجم الفكر الجديد بوجود عمل عربي مشترك، خصوصا وأن المنطقة تعاني تحديات أمنية كبيرة ومعقدة، في ظل تهديدات الجماعات الإرهابية التي استغلت الفوضى السائدة في بلدان عربية، على غرار سورية واليمن وليبيا والعراق، وبات خطرها يهدد الجميع، فضلا عن المشروع الإيراني التوسعي الذي استغل الظروف نفسها التي استغلتها الجماعات الإرهابية، بل بينهما تقاطعات مشتركة. لذلك، مسؤولية القوة العربية المشتركة تخليص هذه البلدان من تلك الفوضى، واستعادة الدولة بعيداً عن الجماعات المليشياوية، أيا كانت تتبع، أو أيا كانت أهدافها، حتى ولو كانت بذريعة الممانعة والمقاومة، لأن القوة العربية المشتركة هي المسؤولة الآن عن القيام بتلك الوظيفة، لصيانة الأمن العربي والسلام والاستقرار.
لذلك، لن تبقى ذرائع لتلك الجماعات، مثل حزب الله في لبنان من البقاء، والاحتفاظ بتلك القوات بعيداً عن الدولة. والقوة العربية المشتركة تحظى بتأييد دولي، نتيجة تغير الاستراتيجية الأميركية في المنطقة، حيث أعلنت الولايات المتحدة وروسيا وبريطانيا وفرنسا دعمها.
بالطبع، هناك صعوبات تعترض قيام قوة عربية سريعاً، بسبب أن هناك احترازات لم تخفها بعض الدول العربية، خصوصا الجزائر والعراق، والتحدي الأكبر في ظل اختلاف الأولويات والأهداف بين الدول المشاركة في القوة، إلا أن هناك رغبة لدى دول عربية، وفي مقدمتها مصر ودول الخليج، لإنجاحها، باعتبارها باتت ضرورة حتمية لمواجهة التهديدات المختلفة للمنطقة.
وستلعب الدول في عاصفة الحزم في القوة العربية المشتركة، بما لها من وزن سياسي وعسكري، وأنه من الممكن أن تتسع هذه الدائرة في المستقبل، حتى تساهم في تحقيق ثقل للعالم العربي في المجتمع الدولي، وهي ليست قوة ذات طابع هجومي، وإنما قوة لإنقاذ المصالح العربية المشتركة، وتأمين الوطن العربي.
العربي الجديد _ وطن اف ام