تكثف السلطات الاوروبية مشاوراتها سعيا الى ايجاد استراتيجية جديدة لمواجهة موجات اللاجئين عبر البحر المتوسط التي تشهد اتساعا غير مسبوق.
وأنقذت السلطات الإيطالية عددا قياسيا من المهاجرين بلغ 6551 خلال اليومين الماضيين فقط ، وذلك في 34 عملية منفصلة، بينهم سيدة وضعت رضيعة بعد فترة وجيزة من إنقاذها. وتتحرك السلطات الاوروبية باتجاه سياسة تقوم على رد قوارب المهاجرين الى الشواطئ التي يبحرون منها حتى ان اضطرها ذلك الى استخدام القوة العسكرية.
وافاد رئيس الوزراء الاسترالي توني ابوت أمس الاثنين ان الاوروبيين طلبوا مشورة من بلاده التي تطبق سياسة رد جميع سفن اللاجئين، وهو ما نفته المفوضية الاوروبية. فيما وصل إلى القاهرة مساء أمس الاثنين ديميترس أفراموبولوس مفوض الهجرة والشؤون الداخلية والمواطنة بالاتحاد الأوروبي قادما على رأس وفد من أثينا لمعرفة رؤية مصر على ضوء إعلان المفوضية الأوروبية عن تأييدها للقيام بعملية عسكرية لضبط وتدمير القوارب التي تستخدم في الهجرة غير الشرعية في المتوسط تشبه عملية /أتلانتا/ لمكافحة القرصنة في المحيط الهندي، وذلك بعد وقوع أكبر كارثة إنسانية في تاريخ الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا بغرق نحو أكثر من الف مهاجر في عرض البحر الشهر الماضي.
ومن الواضح ان الاستراتيجية الاوروبية الجديدة تعتبر ان المهاجرين يمثلون «تهديدا امنيا مباشرا»، خاصة بعد تهديدات تنظيم «الدولة» في ليبيا بارسال نصف مليون لاجئ عبر البحر، وهو رقم اصبح ممكنا مع محاولة الآلاف يوميا العبور الى «الجنة الاوروبية». وحسب هيئة «فرونتكس» المسؤولة عن الحدود الاوروبية، فان مائتين وسبعين الف مهاجر تمكنوا من الوصول إلى السواحل الايطالية العام الماضي، محققين زيادة قدرها مائة وخمسين في المائة عن العام الاسبق، بينما بلغ من لقوا حتفهم اكثر من ثلاثة آلاف وخمسمائة انسان في العام نفسه. وحسب تقديرات الهيئة فان اربعة في المئة من المهاجرين يلقون حتفهم في البحر، الا ان منظمات حقوقية تعتبر ان الارقام الحقيقية قد لا يمكن معرفتها.
والى جانب «التدخل العسكري» تدرس بروكسل، حيث يوجد مقر الاتحاد الاوروبي، للمرة الاولى انشاء مراكز لاستقبال طالبي اللجوء خارج حدود اوروبا، وهو ما سيحتاج الى تعاون من دول جنوب المتوسط، الا ان الفوضى السائدة في ليبيا قد تكون عائقا امام التوصل الى اي قدر من السيطرة على شواطئها البالغة نحو ثمانمئة كيلو متر. ويوجد اتجاهان لتطبيق هذه السياسية، يدعو الاول لتوزيع تلك المراكز على عدد من الدول مثل تركيا ولبنان ومصر وليبيا وتونس والجزائر والمغرب والنيجر وغيرها، فيما يرى اتجاه آخر تتزعمه المانيا ان تكون مصر مقرا لتلك المراكز.
وعلى اي حال فان التوصل الى اتفاقات لتمويل تلك المراكز وادارتها عبر بلد ثالث لن يكون امرا سهلا، حيث من المتوقع ان تجذب تلك المراكز اعدادا هائلة من طالبي اللجوء في ظل اتساع الحروب والاضطرابات الاقليمية.
ويبقى الواقع ان الامور اكثر تعقيدا مما تبدو الى درجة قد تجعل الاغلاق شبه الكلي للحدود الاوروبية الحل الوحيد المتفق عليه في النهاية. ويمكن ملاحظة هذا بتأمل سياسات بعض الدول الاوروبية مثل الدنمارك التي تعتبر بين الاكثر تشددا تجاه استقبال المهاجرين، او هنغاريا التي صرح رئيس وزرائها مؤخرا بأن» تعدد الثقافات في اوروبا كان مجرد وهم» مضيفا» انه لا يريد ان يرى تدفقا من مهاجرين ذوي ثقافات مختلفة لا يستطيعون التأقلم ويشكلون تهديدا للأمن العام في البلاد». وهكذا فان سياسة اوروبية تقوم على استقبال المهاجرين مع المساواة في تحمل الاعباء ستكون مرفوضة عند كثيرين.
اما ايطاليا التي تتحمل العبء الاكبر حاليا، فقد يدفعها اليأس والانقسامات الاوروبية الى الدفع باتجاه الحل العسكري الذي قد يشمل تدخلا اوروبيا مباشرا في ليبيا نفسها، وهو ما قد يشعل مواجهة مباشرة مع الوضع الليبي المعقد والمتفجر بالفعل.
انه منطق القوة مرة اخرى يفرض شريعته و»شرعيته»، بلا ادنى قدر من المسؤولية السياسية او الاخلاقية عن نتائج الحروب التي كان اشعلها او البلاد التي دمرها، فتحول اهلها الى لاجئين يلقون بانفسهم الى تهلكة محتملة لكنها تبقى اقل سوءا من حياة الذل والعوز والخوف.
القدس العربي _ وطن اف ام