وتحاول أنقرة استغلال المتطرفين لمحاربة كل من نظام الأسد و”حزب الاتحاد الديموقراطي” الكردي. والأمر الذي ربّما يؤدي إلى إقناع تركيا بالتخلي عن ذلك المسار، هو استراتيجيّة أميركيّة تقدّم المزيد من الدعم للقوى المعتدلة التي تحارب الأسد والجهاديين، وتلجم بالتالي الدور الأميركي في تعزيز النزعة الانفصالية الكردية في سوريا.
وفي حين ساهمت المساعدات الأميركية للمقاتلين السوريين الأكراد بطرد “الدولة الاسلامية” من كوباني، فهي كذلك عزّزت طموحات “حزب الاتحاد الديموقراطي” الانفصالية. وبالفعل فإنّ الحزب أعلن الحكم الذاتي، من جانب واحد، في شمال سوريا، ما دفع بالقبائل العربيّة الخائفة في المنطقة، إما إلى دعم الأسد أو دعم “داعش”.
لذلك، فإنّ تركيز الولايات المتحدة على استخدام السوريين الأكراد ضدّ “داعش” لن ينهي التهديد الجهادي ـ بل سوف يؤدّي إلى تفاقم الأمور، وتوسيع نطاق الصراع السوري. وقد يكون مطلب الأكراد، تحقيق اللامركزية، السبيل الوحيد في اتجاه إعادة تجميع سوريا المجزأة، ولكن الآن، على الأميركيين وحلفائهم أن يقولوا لـ “حزب الاتحاد الديموقراطي” إنّ المناطق المستقلة يمكن أن تكون، على المدى الطويل، جزءاً من مفاوضات سياسية يشارك فيها جميع السوريين.
وتجدر الإشارة إلى أنّ تعزيز المساعدات الأميركية للمعارضة السورية، يجب أن تترافق مع قيود محكمة، وفي مقابل تعزيز تلك المساعدات، يجب أن توافق أكبر شخصيات المعارضة السورية على هذه الشروط الستة:
1- أن تطيع الجماعات المسلحة التي تتلقّى مساعدات من القيادة المركزية الحديثة المنشأ، أوامر هذه القيادة فقط.
2- أن توقف المعارضة المسلحة الأعمال الوحشيّة ضدّ المجتمعات المدنيّة التي تدعم نظام الأسد، وأن تتحمل قيادة المعارضة المسلحة مسؤولية أعمال الجماعات المكونة لها.
3- قطع جميع العلاقات مع جبهة النصرة.
4- أن تكرّر قيادة المعارضة المسلحة باستمرار أنّها لا تسعى إلى تدمير المسيحية والعلوية، أو أيّ من الأقليّات الأخرى، وأن تبدي استعدادها للتفاوض بشأن ترتيبات الأمن المحلية، والتي يجب أن تتضمّن عناصر الجيش السوري، لحماية جميع السوريين.
5- التفاوض على اتّفاق سياسيّ وطني لإنهاء الصراع، من دون أن يكون رحيل الأسد شرطاً مسبقاً.
6- أيّ ائتلاف سياسي يدَّعي أنه يقود المعارضة تمثيلاً حقيقياً، يجب أن يكون ضمن مكوناته أقليات ورجال أعمال كبار في سوريا – وهي المجتمعات التي تدعم حكومة الأسد عموماً – وألّا يعتمد هذا الائتلاف، بشكل أساسي، على المغتربين.
إنّ من شأن تنفيذ تلك الخطوات، أن يساعد في خلق قوّة معتدلة قادرة على مواجهة “الدولة الإسلامية” و”جبهة النصرة”، إلى جانب تمهيد الطريق أمام مفاوضات سياسية وطنية حقيقية. وفي حال لم يوافق شركاء أميركا الإقليميين والمعارضة السورية على العمل على إنجاح الإستراتيجية والتكتيكات، وفي حال لم توسّع إدارة أوباما نطاق مساعداتها ومهمتها الجويّة، فيصبح على واشنطن أن تتخلى عن هدف الحد من نفوذ “الدولة الاسلامية” خلال السنوات المقبلة.
وبعد عامين من الخبرة، علينا أن ندرك أنّ الإجراءات المحدودة لا تكفي لمواجهة التهديدات الرئيسة في سوريا. فشركاؤنا الأجانب يريدون الرؤية والقيادة الأميركيتين لاحتواء المتطرفين، وإطلاق مفاوضات ناجحة لتشكيل حكومة وحدة وطنية سورية، وهو الإصلاح المستدام للقضاء على التهديد الذي يمثله هؤلاء. دعونا نعطيهم ما يريدون.
السفير _ وطن اف ام