مقالات

براء صبري : أهلنا في مهاباد وخَليفة هذا الزمان

أهلنا السنّة في مهاباد نصركم الله يا أحرار، قلوبنا معكم وشرفكم شرفنا ودينكم ديننا”، نشرها أحدهم من عرب الأحواز على حسابه في موقع التواصل الاجتماعي، تويتر، تعليقاً على الحراك الشعبي الكردي في مدينة مهاباد الذي أعقب انتحار فتاة كردية، بعدما حاول عنصر من الأمن الإيراني الاعتداء عليها.

ذلك الحراك الذي أشبه ما يكون بانتفاضة عمّت معظم المدن الكردية في كردستان إيران، في تحدٍ واضح للسلطات الإيرانية الأوليغارشية، تعبيراً عفوياً عن الهوية الحقيقية لشعب ذي صفة قومية متمايزة، ويسعى إلى التحرر والعيش في كنف ديمقراطي متساوٍ. وكان التهميش والتسلّط شعار تعامل طهران معهم، كما مع كثيرين غيرهم من الشعوب التي تقطن إيران لعقود.
غير أنه على الرغم من الجبروت الذي حمله المدنيون في الشوارع، والصورة الواضحة للطابع العام على الحراك الديمقراطي، إلا أنه كان في الجوار الشرق أوسطي شعوب تبنت، أو خير لها أن تتبنى، تشابكات اصطلاحية عرجاء، مقصودة أحياناً كثيرة، وعفوية أحياناً أقل. فما نشره الأحوازي وجد مثيله في صفحات النشطاء من دول عربية مختلفة، والتي تشهد أزمات وصدامات أهلية.
وكانت الصورة الأكثر تشدداً لتحوير و”لتسنين” الحدث “جليّة” في الدول التي تشهد تغوّل وتحكّم النظام الإيراني بأنظمتها. فالمرض الطائفي العنوان الرئيسي والأكثر وضوحاً في الخارطة المجاورة لإيران، والتي لعبت هي بدورها في تعزيزه، وخصوصاً في الدول العربية التي استطاع اختراقها نظام الجمهورية الإسلامية. فالتتابع في قراءة التعليقات والمنشورات على الحدث الكردي في إيران، كان وكأننا أمام حدثين مُنفصلين ومُتناقضين، أحدهما، وهو الحراك الحقيقي، واختزاله، نشاط إنساني باحث عن الهوية والحرية. أمّا الثاني، والذي تم تبنيه في دول العالم العربي، فهو انتفاضة لطائفة مضطهدة في وجه طائفة مستبدّة.
وكانت حصة النشطاء والسياسيين السوريين من هذه المهمة أكثر اكتمالاً! وهكذا، ففي بلد ينزف منذ أربعة أعوام لم يستطع مثقفوه وسياسيوه تعريف الثورة الحقيقية، وتشريح معنى اكتمال العمل الثوري في قوالب تسعى وتساعد المجتمع على تشكيل نفسه على أسس سليمة، وترسم هيكليات وتشكيلات لنظم مطروحة للمستقبل، حاضنة جامعة، يجد الجميع هويته ومتنفسه فيها، بعد عقود من تسلّط أنظمة لم تعرف غير التهميش والتجني على أبنائها.
كان هؤلاء المثقفون في تبني الخطاب الطائفي الحالي أقرب ما يكونون من مثقفي النظام، ومن متبني خطابه التشويهي في اتهام خصومه الداخليين في عهد الحراكات الداخلية، ذات اللون الواحد. أصبح هؤلاء يتظلّلون بالإطار الأكثر سطوعاً في المعارضة السورية افتراضاً، وهو “الائتلاف الوطني السوري لقوى الثورة والمعارضة”، والذي أصدر بياناً على نهج “الأحوازي” في التعبير باختلاف أنه أكثر تناغماً لغوياً من عفوية الأحوازي، والذي تفادى التنميق واختار السّليقة في التعبير. نفسه البيان الذي تحدث عن “انتفاضة أهلنا العرب في الأحواز وشعبنا في مهاباد الإيرانية!”.
فالبيان “النِكايَة” بالنظام الإيراني، والذي تحاشى أي دلالة إلى هوية المنتفضين، وخط المسير لهم في البحث عن الهوية، خشية أن يتحمّل البيان أي إشاراتٍ، قد تؤدي إلى إسقاطاتٍ، قد تدعم مطالب بعض الأطراف الداخلية الشقيقة للمنتفضين في مهاباد في سورية “المستقبل”، ولو بصورة غير مباشرة، هو بالضبط الخطأ الذي أدّى إلى الخروج إلى الشوارع في مهاباد، وقبلها دمشق وتونس والقاهرة، وليس قديماً جداً في مدينة القامشلي، ولو بتفاصيل مختلفة. في صورة متناسلة للهروب من مجابهة الأزمات المجتمعية، وتفكيك الحقائق التي أدت إلى هذه الكوارث. وهي، بالذات، ما يوازي الخيانة لكل هذه الدماء والدموع التي ذرفت في سورية وغيرها، وتذرف الآن في مهاباد.
فهكذا بيانات، على الرغم من كارثيتها، إلا أنها تحمل مؤشراً إيجابياً من نوع آخر، كونها إحدى السّقطات التي تُعرّي تناقض المُنادين بالحرية والديمقراطية، والحقوق المهدورة، عندما تصل المطالب إلى أعتاب أطرهم الهامشية، وتمارس خطوات وأفعالاً تشابه الأنظمة التي كانت سبباً في تشكلها، ولو بحداثوية أكثر.
وضمن هكذا جحيم طائفي، وتشويهي لحقائق مُعاشة، واحترافية في تدوير المصطلحات، فكيف بسرديات تاريخية ستدون قريباً! ما لنا إلا أن ننحاز إلى “خَليفة هذا الزمان”، والذي يحترف التنميق، والخطاب اللغوي، في تثبيت مطالبه ومسار عمله، ولا يتحاشى التوضيح في عمله الطائفي. فبراغماتيته، على الرغم من الوحشية والإرهاب، أكثر اكتمالاً للصورة، وأكثر نجاعة في تغليف الهويات، وتسويرها طائفياً، خصوصاً أنه أعلن استعداده لما يقول إنها هجمة من “الروافض” على أهل “السنّة”، بتسوير حاضرته، أخيراً، بسور الخلافة، والتي لا تبعد كثيراً عن مهابادنا الكردية ومهابادهم السنيّة.

العربي الجديد _ وطن اف ام

زر الذهاب إلى الأعلى