الحرب الدعائية لداعش أخذت منعطفًا غير متوقع إلى حد ما الأسبوع الماضي. المقاتلون أصحاب الملابس السوداء، والذين اشتهروا منذ عدة أشهر لقيامهم بعمليات القتل الجماعي وقطع الرؤوس، أصبحوا فجأة يريدون الحديث عن السياسة النقدية.
ويوم الخميس، أعلنت وزارة مالية المجموعة عن خططها المبهمة لصياغة سلسلة نقدية من الذهب والفضة والنحاس لتشكل عملتها الخاصة، وليتم تسميتها بالدينار الإسلامي. ووفقًا لموقع إحدى المجموعات التي تتابع النشاط الجهادي، كان الزعيم الغامض لداعش قد أمر بسك هذه القطع النقدية، حتى “يتم إبعاد المسلمين عن النظام النقدي المستبد الذي فرض عليهم، وكان سببًا في استعبادهم وفقرهم”.
وتبدو هذه الخطط جهدًا مباشرًا جدًا من قبل المجموعة لإظهار نفسها كدولة فاعلة ومسؤولة. فكرة الدينار الذهبي، موجودة في أعماق تاريخ العملات الإسلامية، وتمتد تقريبًا إلى زمن الرسول محمد نفسه. ولكن فرضية امتلاك داعش لعملتها الخاصة متجذرة في عصر سابق، وتصل إلى ما يعتقد المنظرون بأنه أصول ارتباط المال صراحةً بالعنف والدماء.
لقد ظهر الدينار الإسلامي في عام 696 ميلادية، عندما كان العالم العربي في ذروة قوته الإمبراطورية. الحكم الأموي، والذي كان مركزه في دمشق، امتد من شبه الجزيرة الأيبيرية إلى نهر السند في جنوب آسيا.
وفي كتابه “الديون: الـ 5000 آلاف سنة الأولى”، كتب ديفيد غرابر: “على مدار حروب التوسع، على سبيل المثال، كانت كميات هائلة من الذهب والفضة قد نهبت بالفعل من القصور والمعابد والأديرة، وهو ما سمح للخلافة بإنتاج دنانير نقية من الذهب ودراهم من الفضة”.
ولكن الأمويين لم يقوموا باختراع السياسة النقدية القائمة على السلب والنهب، لقد كانت الحرب دائمًا أساس التمويل. وبعد كل شيء، أصل كلمة “دينار” مشتق من كلمة “ديناريوس” التي استخدمها الرومان من قبل.
ويعتقد البعض أن القطع النقدية الأولى في العالم، والتي أنشئت في القرن السابع قبل الميلاد، كانت مجرد محاولة لدفع رواتب المحاربين المرتزقة. وفي الواقع، يجادل بعض المنظرين بأن أصول الاقتصاد، وسوق المال، وصناعة النقود المعدنية تحديدًا، مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالعنف والصدمة الناجمة عن الحرب، التي قوضت العلاقات المجتمعية. نظام الاقتراض والسداد كان سائدًا في زمن السلم.
أما في زمن الحرب، فقد طلب من الجنود العابرين والتجار أن يدفعوا نقدًا؛ لأن لا أحد كان يعرف من سيبقى على قيد الحياة لسداد الديون في وقت لاحق. وعن هذا، كتب غرابر: “نشأت الأسواق النقدية خلال الحرب. وإلى حد كبير من خلال سياسات الضرائب والجزية”.
وبطريقة مروعة حقًا، يبدو أن داعش تريد أن تكون ردة صارخة إلى الممارسات القديمة للحروب. وفي موضوع نشرته صحيفة نيويورك تايمز مطلع الأسبوع، ظهر أن مقاتلي داعش يطالبون بغنائمهم في شكل فتيات صغيرات، وهي الممارسة التي لها جذور في وقت مبكر من التاريخ أيضًا، حين استخدم استرقاق النساء كوسيلة للتبادل وكمخزن للقيمة. وفي الواقع، استخدمت أيرلندا الفتيات من الرقيق كواحدة من العملة، عرفت باسم cumal، في العصور الوسطى.
ولكن، وفي حين أثبتت داعش قدرتها في السيطرة على الأراضي، إلا أن هذه الأراضي ليس فيها من كنوز الفضة وسبائك الذهب ما قد يمكن التنظيم من صناعة النقود التي يخطط لصناعتها. وقد أشار ديفيد كوهين، وهو مسؤول الخزانة الأمريكية، للصحافيين في شهر أكتوبر، إلى أن “العملة المفضلة لدى داعش، هي نفس العملة المفضلة للجميع في جميع أنحاء العالم، وهي الدولار الأمريكي”.
ترجمة : أحمد درباس
أتلانتيك – وطن اف ام