اقتصاد

جامعة “هارفارد” حذّرت في 2012 من “تخمة إنتاج النفط”

في بحثه “النفط: الثورة المقبلة”، الصادر في يونيو/ حزيران العام 2012، توقع البروفسور موغيري، بجامعة هارفارد، بدقة ما يحدث الآن من تخمة في الإمداد وانهيار في الأسعار. وهذا البحث، الذي صدر في كتاب في العام نفسه، تجاهلته العديد من وسائل الإعلام الكبرى، لأنه فضح أكاذيب روّجت وقتها لفترة “نضوب النفط”. وكان مصرف “سيتي بانك” وقتها أكبر المروجين لنظرية نضوب النفط، لدرجة أن بعض بلدان العالم بدأت تضع خططاً لكيفية التعامل مع حدث كهذا.

يقول البروفسور موغيري، في كتابه، خلافاً للاعتقاد السائد، إن “فترة نضوب النفط قد أوشكت”، فإن العالم مقبل على طفرة في الإنتاج النفطي، وأن طاقات الإنتاج النفطي ستواصل النمو في أنحاء العالم بمستويات غير مسبوقة، ربما تفوق الاستهلاك العالمي وتحدث تخمة في إنتاج النفط وإنحداراً كبيراً في أسعاره.

وحسب تقديراته، فإن طاقات إنتاج النفط الجديدة التي ستضاف إلى طاقات الإنتاج الحالية ربما تصل إلى “29 مليون برميل يومياً”، بحلول العام 2020. وكان وقتها معدل الإنتاج النفطي العالمي يبلغ 93 مليون برميل يومياً. وتوقع موغيري أن يبلغ الانتاج العالمي من النفط إلى 110 ملايين برميل من النفط بحلول العام 2020، وأن تبلغ الطاقة النفطية الفائضة 17.6 مليون برميل يومياً. وهذه التقديرات تشمل النفط وسوائل الغاز.

وكانت “العربي الجديد” قد نشرت جزءاً من بحث، تسلمته بالبريد الإلكتروني، من البروفسور موغيري يذكّر فيه بتوقعاته لانهيار أسعار النفط، كما نشرت، في 31 مارس/ آذار الماضي، مقالاً بعنوان “إيران والعراق يهددان المرونة السعودية في أوبك”، تناولت فيه احتمال حدوث تخمة إمدادات نفطية تهدد دور”أوبك” وأسعار النفط.

وفي الواقع، فإن البروفسور موغيري بنى توقعاته على دراسة عملية لآبار النفط والحقول الجديدة ودورات أسعار النفط. ولاحظ البروفسور موغيري

أن الاستثمارات في الكشوفات وتطوير طاقات الإنتاج النفطية، تحدث غالباً في دورات الأسعار المرتفعة للنفط التي تغري عادة المستثمرين بالعوائد الكبيرة من أسعار النفط. وبالتالي ترفع الشركات من معدل استثماراتها وتنشط البنوك في تمويلات المشاريع الجديدة. ولاحظ كذلك، أن دورة تحول هذه الاستثمارات في المشاريع الجديدة تأخذ سنوات، وحينما تنزل هذه الطاقات الإنتاجية الجديدة إلى الأسواق تفاجئ المضاربين والمنتجين على السواء وتقود تدريجياً إلى انخفاض أسعار النفط. وهذا ما يحدث بالتحديد حالياً في السوق النفطية، التي تشهد زيادة في معدلات إنتاج النفط الصخري في أميركا وإنتاج النفط التقليدي في العراق وأفريقيا وروسيا. وكلها مشاريع تم الاستثمار فيها بكثافة في سنوات ارتفاع أسعار النفط منذ بداية العقد الحالي.

من جانبها، توقعت ميغان أوسوليفان، مديرة برنامج “جيوبوليتكس الطاقة”، في جامعة هارفارد الأميركية، في مارس الماضي، أن تؤدي الزيادة الكبيرة في المعروض النفطي مقارنة بالطلب العالمي، إلى هبوط أسعار النفط ربما بنحو 20% أو أكثر عن مستوياتها الحالية التي تراوح بين 100 و110 دولارات لخام القياس البريطاني (برنت).

ولاحظت أوسوليفان، في تقريرها، أن معظم هذه الزيادة في المعروض النفطي ستأتي إلى الأسواق من خارج الدول الأعضاء في منظمة “أوبك”، كما لاحظت كذلك أن نسبة كبيرة من النفط ستنتج في الولايات المتحدة الأميركية بسبب ثورة النفط الصخري والثورة التقنية التي رفعت الإنتاج من آبار النفط التقليدي. وبالتالي، تقول أوسوليفان إن “أوبك” لن تستطيع في المستقبل السيطرة على الأسعار، كما كانت تفعل في السابق.

ما أشبه الليلة بالثمانينيات

هنالك تشابه كبير بين ما يحدث الآن من انهيار في الأسعار وبين ما حدث في الثمانينيات، حينما أنهارت أسعار النفط إلى أقل من 10 دولارات.
ففي الثمانينيات، حدث الفائض الضخم في إمداد النفط بسبب الارتفاع الكبير في الأسعار في فترة السبعينيات، وهو ما حفّز الاستثمارات العالمية في كشوفات نفطية وتطوير حقول جديدة خارج منظمة البلدان المصدرة للنفط (أوبك)، مثل حقول بحر الشمال وولاية آلاسكا الأميركية. وكانت النتيجة أن السوق أصيبت بالتخمة النفطية التي دفعت الأسعار إلى أقل من 10 دولارات.

وما يحدث الآن من انهيار في أسعار النفط، شبيه إلى درجة كبيرة بما حدث في الثمانينيات من القرن الماضي، حينما أنهارت الأسعار من قرابة 31.82 دولاراً في نوفمبر/ تشرين الثاني من العام 1985 إلى 9.75 دولارات في أبريل/ نيسان العام 1986. واستمرت الأسعار في مستوياتها المتدنية ولم ترتفع بمستويات معقولة حتى العام 1990. سعت السعودية حينما بدأ الانهيار، وقتها، لدعم الأسعار عبر خفوضات متتالية لمعدلات إنتاجها من أكثر من 10 ملايين برميل يومياً إلى حوالى 2.5 مليون برميل يومياً، ولكنها فشلت في ذلك. ثم بعد ذلك، أغرقت الأسواق بالنفط حتى أنهارت الأسعار إلى أقل من 10 دولارات.

إلى أين تتجه الأسعار

بعد أن انهارت أسعار النفط وخسرت، حتى يوم الأربعاء، 57% من مستوياتها في يونيو، انهارت معها جميع التوقعات. فالنفط يواصل الضحك على البنوك الكبرى وتجار المضاربة الذين باتوا يراجعون حساباتهم كل يوم. “غولدمان ساكس” كان يقول، قبل شهرين، إن أسعار النفط ستعود فوق 80 دولاراً، بالأمس يتوقع أنها ستكون في حدود 47 دولاراً للبرميل، أما مصرف “بانك أوف أميركا”، فتوقع أن تنخفض الأسعار إلى 35 دولاراً للبرميل. ولكن وسط الحيرة والذهول في الأوساط النفطية بفعل الضربة القاضية التي وجهها النفط لكل اللاعبين في جولة الأسعار، تبقى المحاذير من احتمالات توقف العديد من المشاريع النفطية التي يعتمد عليها العالم في الإمدادات المقبلة.

وحسب دراسة لمصرف “غولدمان ساكس”، فإن هنالك مشاريع نفطية تقدّر قيمتها بحوالى 980 مليار دولار ستتراجع البنوك عن تمويلها بسبب تدهور أسعار النفط. وفي حال استمرار تدهور الأسعار، فإن العديد من مشاريع النفط الكبرى في العالم ستتوقف، وربما العديد من توسعة الطاقة النفطية في منطقة الخليج. ومن المتوقع أن تجد العديد من دول الخليج والسعودية صعوبة في الإنفاق على توسعة الطاقة الإنتاجية تحت وطأة انخفاض المداخيل واضطرارها لتغطية الإنفاق في الميزانية من المدخرات.

العربي الجديد –  وطن اف ام 

زر الذهاب إلى الأعلى