اقتصاد

سوريا تواجه تطورات استثمارية متناقضة بين الصناعة وتحويل الأموال وبنك داعش ” تقرير “

مع قرب دخول الأزمة السورية عامها الخامس، في مارس/آذار 2015، يتراجع حجم الناتج المحلي إلى النصف (من 60 إلى 30 مليار دولار) وتزداد الخسائر الإجمالية للحرب والتي قدرتها “أسكوا” بنحو 140 مليار دولار في العام الماضي، ويدفع المواطنون ثمناً باهظاً للتضخم، من أجورهم التي انخفضت بسبب تدهور سعر صرف الليرة مقابل الدولار نحو أربع مرات ونصف، من 45 ليرة قبل الحرب إلى أكثر من 200 ليرة.

وفي إطار مواكبة تطورات الأزمة السورية وتداعياتها، يشهد الاقتصاد السوري تحولات استثمارية ومحاولات متناقضة للاستفادة من مناخات معينة في مناطق عدة، يتجلى بعضها في امكانية إنشاء مناطق آمنة، وبعضها الآخر تقوم بها حكومة النظام بالتركيز على تنشيط مناطق صناعيه وجذب المستثمرين إليها، في الوقت الذي تشهد فيه المصارف الخاصة العاملة في سوريا خروج أكثر من 92% من أرصدتها وإيداعاتها، فضلا عن سيطرة “داعش” واخواتها على مساحات واسعة، وهو يدرس حالياً بشكل جدي إنشاء مصرف إسلامي لتقديم خدماته (وفق أحكام الشريعة) والقيام باستثمارات لتمويل عملياته العسكرية.

ولكن هل كل هذه المحاولات وتطوراتها، تساعد على جذب الاستثمارات لإعادة بناء سوريا؟

الدكتور عبد الله الدردري الذي كان يشغل منصب نائب رئيس مجلس الوزراء في سوريا للشؤون الاقتصادية، وهو حالياً نائب الأمينة التنفيذية للجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (اسكوا) يقول: “الشرط الرئيسي للاستثمار في أي بلد مهما كان وضعه، هو احترام وحدة وسيادة هذا البلد”.

وعن الترابط بين جذب الاستثمار والتنمية والأمن، يقول الدكتور الدردري: “في التسلسل المنطقي لا بد من الأمن أولا، وهو أمر طبيعي ويأتي من خلال تسويات سياسية، ولكن يجب إعادة النظر بماذا نستثمر وكيف وأين ومن أجل ماذا نستثمر”، ومشدداً على ضرورة الاستثمار في الإنسان ومن أجل حياة الإنسان ورفاهيته وبناء مجتمعه.

المناطق الصناعية

أعلنت مديرية المدن الصناعية في وزارة الإدارة المحلية التابعة لحكومة الاسد في دمشق عن حجم استثمارات أربع مدن صناعيه في سوريا بمبلغ 650 مليار ليرة (نحو 3.25 مليار دولار)، موزعة على مدينة عدرا في ريف دمشق، والشيخ نجار في حلب ودير الزور في الشمال ومدينة حسياء، وقد بلغ عدد المصانع المنتجة 1580 مصنعاً منها 1200 مصنع في مدينة عدرة التي شهدت معارك عسكرية عنيفة بين الجيش السوري النظامي والمعارضة وداعش والنصرة، وهي من أهم مدن منطقة القلمون في ريف دمشق.

وفي محاولة لتطمين المستثمرين على الوضع الأمني وتشجيعهم على الاستثمار، أكد رئيس الوزراء في حكومة الأسد وائل الحلقي “أن الحكومة تسعى إلى تذليل العقبات أمام القطاع الصناعي، وتوفير المناخ المناسب لإعادة انطلاق عملية التنمية في المدن والمناطق الصناعية، من خلال معالجة الصعوبات وتأمين مستلزمات الانتاج وتشجيع الصناعيين على إقامة مشاريع صناعيه جديدة”.

ومن منطلق المتفائل بتحسن البيئة الاستثمارية والاستقرار الأمني والاقتصادي ، دعا رئيس غرفة صناعة دمشق وريفها سامر الدبس الصناعيين الذين غادروا البلد بسبب الاحداث إلى العودة والمشاركة في مرحلة إعادة الإعمار.

وقال الدبس: “إن أولويات مجلس إدارة الغرفة، هو دراسة المشاكل التي يعاني منها الصناعيون، وتفعيل الصناعة في المناطق الآمنة، وإعادة تشغيل المنشآت الصناعية التي تضررت، ومساعدة الصناعيين في المرحلة المقبلة بالتشارك مع الحكومة، وسيتم التركيز على المشاريع الصغيرة والمتوسطة لكونها تشغل أيدي عاملة وتخدم الاقتصاد الوطني بشكل أسرع”.

وتبرز في هذا المجال أهمية موافقة الحكومة على أن تستأنف المصارف العاملة في سوريا اقراض الصناعيين، وعلى الرغم من ضآلة القرض الذي يبلغ أقصاه 20 مليون ليرة (ما يعادل 100 ألف دولار) فقد حدد استخدامه فقط بتمويل المواد الأولية ومداخلات الإنتاج، ولا يستخدم للبناء أو شراء الآلات، علما أن معظم المنشآت الصناعية المتضررة مدمرة كليا” أو جزئياً. ويجب إعادة بنائها أو ترميمها، فضلا عن شراء الآلات المطلوبة للتشغيل، وإضافة إلى ذلك فرضت عدة شروط للإقراض تتعلق بوضع العميل المقترض وأوضاع شركته وقدرته على التسديد، وتحديد المخاطر المحيطة بالجهة المقترضة ومدى حساسيتها لتطور السوق، وتقدير التدفقات النقدية المتوقعة من الجهة المقترضة، وذلك في ظل الظروف القائمة.

وفي الوقت الذي أكدت فيه غرفة صناعة دمشق أهمية تقديم الدعم لقطاع الشركات الصغيرة والمتوسطة، والتي تساهم في تعزيز تنافسية الاقتصاد الوطني، فقد أشارت بإهتمام بالغ إلى التحديات التمويلية والتكاليف المرتفعة لرأس المال، وأحجام المصارف عن منح الائتمان لهذه الشركات، وغياب شركات ضمان مخاطر الائتمان المصرفي والمغالاة في طلب الضمانات المالية.

ويحصل ذلك في وقت تعاني فيه المصارف من مشكلة ضخامة الديون المتعثرة، والتي تشمل عدداً كبيراً من رجال المال والأعمال ومعظمهم ترك البلد ونقل أمواله واستثماراته إلى خارج سوريا.

أرصدة في الخارج

يعمل في سورية نحو 14 مصرفاً خاصاً برؤوس أموال مشتركة سورية وعربيه، وقد تبين من دراسة شملت 13 مصرفاَ أن 92% من أرصدتها وإيداعاتها قد تم تحويلها إلى الخارج، ويوجد فقط 8% في داخل سوريا.

وبلغ مجموع أرصدة وايداعات هذه المصارف في نهاية يونيو/ حزيران 2014 نحو 324 مليار ليرة، وتشكل نسبة تزيد عن 43.5% من اجمالي موجوداتها البالغة نحو 745 مليار ليرة، وهي تضم الحسابات الجارية وتحت الطلب.

وتوزعت الارصدة بين 229 مليار ليرة في الخارج مقابل فقط 19 مليار ليرة في داخل سورية، وكذلك توزعت الايداعات بين 69 مليار ليرة في الخارج مقابل فقط 7 مليارات ليرة داخل سوريه.

ولوحظ ان موجودات 14 مصرفاً خاصاً في سورية قد سجلت نمواً بنسبة 15.4 في المئة خلال 9 اشهر من العام الماضي، وقد ارتفعت من 772 مليار ليرة بنهاية العام 2013 الى 791 مليار ليرة بنهاية سبتمبر/أيلول 2014، لكن أرباحها الصافية تراجعت إلى النصف، من 36.9 مليار ليرة إلى 18.1 مليار ليرة.

ومع تراجع النشاط الاقتصادي في سوريا، وحرص المصارف الخاصة على تجنب الخسائر، جمدت معظم عملياتها المصرفية وأوقفت تسليفاتها باستثناء عمليات ضئيلة لبعض زبائنها، ولذلك فان قسماً كبيراً من أرباحها ناتج عن فرق أسعار صرف الليرة السورية مقابل الدولار الاميركي، وليست من تمويل مشاريع للتجار والصناعيين ورجال الاعمال.

ولا شك في أن كل هذه التطورات السلبية مرتبطة بتطورات الحرب في سوريا وتداعياتها، وقد حرصت المصارف الخاصة على تحويل معظم ارصدتها وايداعاتها إلى مصارفها الأم لتوظيفها وفق شرائح مختلفة، والحصول على مردود تحتاجه في تغطية نفقاتها خصوصاً ما يعود منها إلى الرواتب والأجور.

بنك “داعش”

بعدما افتتح تنظيم “داعش” في أول العام الحالي مصرفاً خاصاً به في مدينة الموصل بالعراق، يقوم بعمليات مصرفية في قبول ودائع ومنح القروض تحت اسم “المصرف الاسلامي”، يدرس جدياً بافتتاح مصرف مماثل في المناطق التي يسيطر عليها في سوريا، يتولى سحب السيولة من مناطق الرقة ودير الزور وريف حلب، وبما أن مناطق سيطرته في شمال سورية معزولة جغرافياً عن الخارج فإن مصرف “داعش” يصعب عليه القيام بأعمال مصرفية مع مصارف خارجية عربية وأجنبية مثل الاعتمادات المستدينة وتحويل العملات والودائع، ولذلك يتوقع أن ينحصر عمله في تحويل الأموال ضمن المدن والمناطق السورية الواقعة تحت سيطرته، وبسبب هذه السيطرة قد يفرض على رجال الأعمال من تجار وصناعيين ومزارعين ممن يدعمهم في اعمالهم، إيداع أموالهم في المصرف الإسلامي، بلا فوائد بل على أساس نظام “المرابحة”، ويقوم مقابل ذلك بتقديم القروض لسكان هذه المناطق لكسب ودهم وتأييدهم له، حتى إن بعض المواطنين يعتقدون أنهم قد لا يسددون قيمة هذه القروض على أساس أن تنظيم الدولة (داعش) مؤقت، وهو زائل ولو بعد حين.

الاناضول – وطن اف ام

زر الذهاب إلى الأعلى