اقتصاد

إيران تراهن على رفع العقوبات للنهوض بالاقتصاد ومواجهة أثار تراجع أسعار النفط (تحليل)

بعد تراجع الاقتصاد الايراني نتيجة انخفاض أسعار النفط بنسبة تزيد عن 50 %، وبالتالي تقلص عائدات الخزينه حتى أصبحت ايرادات النفط تشكل أقل من 25 % في موازنة العام المالي 2015 – 2016، تتطلع إيران باهتمام كبير الى احتمال نجاح مفاوضات النووي مع الدول الست، تمهيداً لرفع العقوبات المفروضه عليها، والبدء بمسيرة النهوض الاقتصادي.

يأتي هذا فيما أكد معهد التمويل الدولي (مقره واشنطن) في تقرير حديث أن مصير اقتصاد ايران يتعلق بنتيجة هذه المفاوضات التي ستستمر حتى منتصف العام الحالي.

وتشهد مدينة زيوريخ السويسرية في وقت لاحق اليوم جولة جديدة من المفاوضات بين إيران والولايات المتحدة على مستوى مساعدي وزيري الخارجية، على مدار يومين، ومشاركة هيلجا اشميت، مساعدة فدريكا موجريني المسؤولة الجديدة للسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي.

ووفق تقرير المعهد، فقد تراجع الناتج المحلي الاسمي بإيران من ذروته البالغة 514 مليار دولار في عام 2011 الى 342 ملياراً عام 2013 اي بمقدار 172 مليار دولار، وهو مستمر في الانخفاض مع استمرار العقوبات، وتراجع ايرادات النفط بدءاً من صيف العام 2014، مع العلم أن هذه العقوبات منعت ايران من استخدام نصف احتياطها المالي البالغ 92 مليار دولار، وذلك قبل فرضها في تموز يوليو 2012، بسبب اخراجها من النظام المالي العالمي، حتى أصبحت تواجه مشاكل جدية في الحصول على أي ايرادات يمكن تحقيقها من صادراتها، سواء النفطية رغم ضآلتها، أو المنتجات الاخرى الزراعية والصناعية.

فك عزلة ايران

على الرغم من الأضرار الكبيرة التي أصابت الاقتصاد الايراني جراء العقوبات الأمريكية والاوروبية، فإن وزير الشؤون الاقتصادية والمالية الإيراني علي طيب نيا اعتبرها “تحدياً وفرصة” لاجراء تغيير اقتصادي، لا سيما لجهة تخفيف الاعتماد على النفط والتركيز على تنويع مصادر الدخل، علما ان البرامج الاقتصادية للحكومة تهدف الى زيادة صادرات السلع غير النفطية لتصل الى 50 مليار دولار سنوياً.

والسعي الى فك عزلة ايران الدولية، ليس جديداً، وكان أول المطالبين به الرئيس حسن روحاني منذ تسلمه منصبه في أغسطس آب/ 2013، حيث حمل شعار “انقاذ الاقتصاد من جراء العقوبات والفساد وسوء الادارة”.

واذا كان روحاني يعتبر “أن عزلة ايران هي حافز لتطوير نفسها والاستغناء عن الخارج”، فهو في الوقت نفسه لديه قناعة بضرورة فك العزلة، لأهمية التعاطي مع الغرب بمرونة قد لا تكون على حساب برنامج ايران النووي، وانما عبر اظهار البرنامج كونه موضوعاً لاغراض سلمية فقط.

إضافة الى ذلك، فان نمط الرئيس روحاني في الحكم وسعيه الى المزيد من الشفافية وانتخابه بشكل ديموقراطي سليم، يشجع الولايات المتحدة على متابعة مفاوضات التفاهم معه، ورغم عدم توصل الطرفين الى نتائج ملموسة حتى الآن، هناك في الأفق بعض الارتياح الايجابي، على أمل التوصل الى الاهداف المطلوبة قبل منتصف العام الحالي.

وفي هذا المجال لا يمكن تجاهل الخلاف القائم بين الرئيس باراك اوباما مع الكونجرس حول فرض عقوبات جديدة على ايران وتهديد الرئيس باستعمال حق الفيتو لوقف تنفيذها، لأنها ستعرقل المفاوضات الجارية.

لا شك في ان افتقار ايران الى الاستثمار الاجنبي وعزلها عن النظام المالي العالمي، يجعل من النفط عاملاً مؤثراً لديها، وسيستمر كذلك ريثما تتبلور الأمور بشأن المفاوضات النووية، وما يمكن أن تتوصل اليه من حيث فك عزلتها عن الأسواق العالمية، ولذلك تبقى بالمطلق هذه المفاوضات مفصلية في حياة ايران الاقتصادية اكثر بكثير من تدني أسعار النفط.

وفي حال تم الاتفاق على البرنامج النووي بين إيران ومجموعة الدول الست، يتوقع تقرير معهد التمويل الدولي أن يستعيد الاقتصاد الايراني عافيته بشكل كبير في العامين اللذين يليان الاتفاق، على أساس أن يؤدي إلى رفع العقوبات تدريجيا اعتبارا من يوليو تموز 2015، وأن تعود صادرات النفط الى ما كانت عليه قبل العقوبات مع نهاية عام 2017، وكذلك السماح لإيران بالعودة إلى النظام المالي العالمي والاستفادة من تدفق الاستثمارات الخارجية المباشرة.

ومع الاخذ بالاعتبار أهمية صادرات النفط وتطور استثمارات القطاع الخاص، ينتظر أن ينمو الناتج المحلي في السنة المالية 2015 -2016 بمعدل 5 %، على أن يرتفع الى 6 % في السنة المالية 2016 – 2017.

ويبدأ العام المالي في إيران في 21 مارس/ أذار وينتهي في 20 من نفس الشهر في العام التالي.

أما في حال عدم التوصل الى اتفاق، فمن الطبيعي أن يشهد الاقتصاد الايراني مزيداً من التدهور مع استمرار ارتفاع معدل البطالة البالغة حالياً نحو 14 % ، والتشدد في العقوبات الاميركية والاوروبية على تجارة ايران الدولية والمعاملات المالية والمصرفية، فضلاً عن تراجع قيمة صادرات النفط وايرادات الخزينة، وارتفاع التضخم مع تدهور سعرصرف العملة الوطنية أمام العملات الأجنبية في السوق السوداء.

النفط والعجز المالي

لقد تراجعت صادرات ايران النفطية تحت وطأة العقوبات الاقتصاديه من 4 ملايين برميل يومياً الى مليونين ومائة الف برميل، ثم الى مليون برميل فقط، وكانت عائداتها من النفط تشكل نسبة لا تقل عن 80 % من العملة الصعبة، وهي خامس أكبر دولة مصدرة للنفط عل مستوى العالم، والثانية على مستوى منظمة (أوبك) بعد السعودية.

وفي أواخر العام الماضي اعتمدت ايران موازنة السنة المالية 2015 -2016، والتي تبدأ في 21 آذار (مارس) المقبل، بقيمة 312 مليار دولار، على أساس سعر برميل النفط حول مستوى 72 دولاراً، وتوقعت أن تبلغ ايرادات النفط والغاز نحو 26 مليار دولار، عند مستوى تصدير نحو 1.2 مليون برميل يومياً.

ومع تراجع الأسعار، أعلن وزير المالية والاقتصاد الإيراني علي طيب نيا عن تخفيض السعر في الموازنة الى 40 دولاراً للبرميل، الامر الذي يؤدي الى خفض الايرادات الى 17.5 مليار دولار، وفي حال احتساب تكلفة انتاج البرميل والتي حددها صندوق النقد الدولي بنحو 15 دولارا للبرميل، تنخفض الايرادات النفطية الى 11 مليار دولار، وهي لا تشكل سوى نسبة 3.5 % من مجموع الموازنة التي ستواجه عجزاً مالياً كبيراً.

ويتضمن مشروع الموازنة الايرانية ايرادات من الضرائب بنحو 861.1 تريليون ريال (31.8 مليار دولار) ، وهو مبلغ كبير مقارنة مع المبلغ المقدر في موازنة السنة المالية 2014 – 2015 والبالغ 702.5 تريليون ريال (25.9 مليار دولار)،أي بزيادة نسبتها 22.6 %، ولكن هل يمكن تحصيل هذا المبلغ من الخاضعين للضريبة في وقت يشهد فيه الاقتصاد تراجعاً في مختلف قطاعاته؟..

وبلغ العجز المالي في الموازنة الإيرانية الحالية نحو 8.6 مليار دولار، وفق أرقام صندوق النقد الدولي، وعلى اساس سعر برميل برنت عند 80 دولاراً للبرميل، ولكن موازنة العام القادم ستواجه عجزاً أضعاف هذا المبلغ، الامر الذي يدفعها الى التقشف، وخفض دعم الدولة للسلع الاستهلاكية بنسبة 26 %، بما في ذلك خفض دعم أسعار الخبز بنسبة 30 %، الأمر الذي يساهم في ارتفاع الاسعار ومعدل التضخم.

وتسعى الحكومة الإيرانية الى خفض معدل التضخم الذي وصل الى 40 %، مع تدهور سعر صرف العملة الوطنية.

وقد أشار وزير المالية الإيراني علي طيب نيا مؤخراً إلى أن الحكومة استطاعت تخفيض هذه النسبة الى 17 % نتيجة للسياسات النقدية والمالية المناسبة، وهي تطمح الى خفضها الى اقل من 10 % خلال الفترة المقبلة، لكن يبدو أن التطورات النفطية وتراجع الايرادات جاءت مخيبة لآماله.

إضافة الى ذلك قد تستعين الحكومة الإيرانية بما لديها من احتياطيات أجنبية في صندوق الثروة السيادية، والتي قدرت بنحو 62.2 مليار دولار بنهاية نوفمبر تشرين الثاني 2014، لسد العجز المالي في الموازنة، ولكن محللين اقتصاديين ايرانيين قد حذروا من التعويل كثيراً على هذه الآلية، لا سيما وأن هذا الصندوق السيادي لم ينجو من العقوبات الدولية التي ربما تكون قد جمدت قسما من أمواله.

الأناضول – وطن اف ام

زر الذهاب إلى الأعلى