حالة الاستنفار التي دخلت فيها قوات جبهة النصرة بمحيط مدينة درعا فرضت خلال الساعات القليلة الماضية إيقاعا أمنيا متحفزا على واجهة الحدود الشمالية الأردنية استعدادا للهواجس التي تنقلها الأنباء والأخبار عن استعداد قوات تنظيم الدولة الاسلامية للعبور إلى السويداء. نقطة السويداء كانت تحت الرقابة الأردنية طوال الأسابيع الأربعة الماضية لأن أطرافها الجنوبية مشتبكة مع شمال درعا التي تتواجد فيها قوات للمعارضة أما مصنفة بأنها ليست عدوا كـ جبهة النصرة أو مصنفة بالصداقة كالكثير من فصائل الجيش الحر.
في المستويات العميقة في الدولة الأردنية ينظر للسويداء تحديدا باعتبارها الفاصل الجغرافي الأهم بين درعا وقوات تنظيم الدولة بالتالي هي فاصل أول عن حدود درعا الملاصقة للأردن.
وبالنتيجة تصادق الهواجس والسيناريوهات الأمنية على اقتراب قوات داعش من مسافة الأمان باتجاه الأردن جنوب سوريا، خصوصا ان القوات نفسها باتت أقرب لصحراء تدمر وبالنتيجة يمكنها الاقتراب من درعا في محورين، وهو وضع استراتيجي تكتيكي عسكري يفرض مؤشرات الاستنفار بالنسبة لـ جبهة النصرة والجيش الحر ويتطلب من الأردنيين بدورهم التهيؤ لكل السيناريوهات.
قياسا بما يحصل في الأنبار والرمادي باتت قوات داعش على مسافة كيلومترات من حدود الأردن الشمالية، وعبورها للسويداء التي لا يوجد فيها بالواقع قوة عسكرية نظامية سورية يمكنها التصدي لتكون قوات داعش وجها لوجه ولأول مرة في أقرب مسافة من درعا وبالتالي من الأردن.
السويداء بهذا المعنى مفصل مهم للأردنيين لا يختلف عن مفصل مدينة الرمادي في الأنبار، وهو وضع أمني وعسكري سبق ان حذرت منه العشرات من تقديرات الخبراء والمحللين.
إعلاميا وسياسيا تجنبت الحكومة الأردنية الخوض بالتفاصيل وبدا ان الأمر تختص به المؤسسات السيادية الأمنية فالتعزيزات العسكرية لحرس الحدود جنوب سوريا وغرب العراق متكاملة أصلا منذ أسابيع.
والوضع الأمني ينذر بالانفجار والمؤسسة الأردنية تعلن العداء أصلا لقوات داعش ولا تتوفر بين يديها مؤشرات قوية توحي بأن داعش سيتجنب الصدام مع الأردن أو العكس. بسبب حساسية المسالة يترك الملف للجهات المختصة في الأردن والقرار السيادي اتخذ باستمرار استراتيجية الدفاع بالعمق التي تحدث عنها الملك عبد الله الثاني علنا وعدة مرت. والفلسفة الاحتياطية الأردنية عبر عنها أيضا وعدة مرات الناطق الرسمي وزير الاتصال الدكتور محمد المومني عندما شدد على ان القوات الأردنية جاهزة للتصدي لأي محاولة لإيذاء الأردن أو اقتراب جماعات إرهابية من حدوده.
المومني في الوقت نفسه أشار إلى ان سياسة عمان لا زالت حصر المشكلات السورية داخل الحدود والأراضي السورية، لكن أوساطا مقربة من التيارات السلفية والجهادية تؤكد ان قيادة «داعش» في منطقة الرقة تحديدا والتي تعرضت لقصف الطائرات الأردنية عدة مرات يمثلها في الواقع قياديون أردنيون من الذين انضموا إلى «داعش». على أساس الفلسفة الأردنية تراكمت القطيعة على مدار أسابيع بين الحكومة الأردنية والنظام السوري الذي حرص دوما على تحميل الأردن مسؤولية ما يحصل في درعا، خصوصا ان الحدود الأردنية السورية بأكملها مع فصائل المعارضة، ولا يوجد فيها تمثيل لأي من رموز الدولة السورية.
من هنا يحاول الأردن رسميا التفاعل مع معطيات الواقع المشتبك رافعا شعار منع عبور أي مسلح من سوريا أو العراق للحدود وفرض رقابة الكترونية شرسة، خصوصا في ظل التوقعات التي تقول ان عبور قوات داعش لمدينة السويداء يعني ترقب الاشتباك في محيط درعا الشمالي بين هذه القوات وجبهة النصرة ويعني بالمقابل خبرا سيئا للسلطات الأردنية.
مصدر مطلع يقول بأن إمارة الرقة بين يدي مواطن أردني في الواقع، وبالتالي تتوفر عوامل نفسية وسياسية توحي بأن التمثيل الأردني في داعش قد يكون بصدد المزاودة على الجميع واتخاذ مبادرات أما صدامية أو تهيئ للصدام، هنا تحديدا يكمن التعقيد في المشهد.
المصدر : القدس العربي