التزامن مع انتصارات الشمال السوري والتقدم الكبير الذي يحققه الثوار على الأرض بعدما اتحدوا في جيش واحد وحرروا مساحات كبيرة جداً في مدة زمنية قصيرة، تداعت الفصائل والألوية والكتائب في دمشق وريفها للتوحد اقتداء بالنموذج المطبق في الشمال، إما بالتوحد عبر الاندماج بشكل تام، أو بالانضواء تحت قيادة موحدة كما حدث بالفعل في الغوطة الشرقية، أو بتشكيل غرف عمليات مشتركة بين مختلف التشكيلات للتنسيق في المناطق المشتعلة كما يجري حالياً في جوبر شرق العاصمة.
ففي الأيام الأخيرة سجلت عمليات اندماج كبيرة بين عدد من الألوية والجيوش ذات الامتداد والتأثير الكبير في الغوطة، فاندمجت بشكل كامل ألوية الحبيب المصطفى مع فيلق الرحمن الذي كان يتبع للمجلس العسكري في دمشق، عند تشكيله تحت قيادة عبدالناصر شمير ليصبح، هذا التشكيل ثاني أكبر تشكيل في الغوطة بعد جيش الإسلام والذي انضم له يوم الأحد فيلق عمر العامل في منطقة المرج جنوب وشرق الغوطة الشرقية، ليعزز من قوته ونفوذه في الغوطة.
لكن قبل كل ذلك اندمجت حركة أحرار الشام أحد التشكيلات الكبرى في سوريا مع فيلق الرحمن منذ أشهر لتتراجع الحركة عن قرارها بشكل مفاجئ، بعد الانتصارات التي حققتها الحركة الأم في الشمال، الأمر الذي أشعل معركة قضائية حقيقية في الغوطة حول شرعية التراجع عن الاندماج، خاصة بعد القرار الذي اتخذ في الغوطة بحظر تشكيل أي مجموعات عسكرية جديدة ليتحول الجدل إلى تساؤل هل حركة أحرار الشام ستعتبر تشكيل جديد عند العودة عن قرار الاندماج أم أنها ستبقى من التشكيلات الأصيلة التي وقعت على قرار حظر إنشاء تشكيلات جديدة.
وبعد أخذ ورد حكم القضاء الموحد في الغوطة بعدم شرعية تراجع الحركة عن قرار الاندماج وحظر إعادتها مرة أخرى؛ بسبب حل نفسها لكن الحركة رفضت القرار ورافعت أمام القضاء للدفاع عن قرارها، ودخلت الوساطات على خط الأزمة للوصول إلى حل يرضي جميع الأطراف.
وأوضح مدير المكتب الإعلامي الموحد في عربين وعضو لجنة الوساطة بين الأطراف لحل الأزمة أبو اليسر براء حيثيات الخلاف بين أحرار الشام وفيلق الرحمن، وقرارات القضاء الموحد قائلاً: إن حركة أحرار الشام في الغوطة الشرقية مرت بمرحلة ضعف كبيرة، وقد قررت بعد المشاورة الانضمام إلى فيلق الرحمن، واتفقوا على الاندماج معه بالكامل حرق السفن، وكان شرطهم إعادة إنشاء نظام داخلي جديد للفيلق، وهو ما لم يتحقق حتى أعلنوا الانشقاق عن الفيلق قبل نحو عشرين يوماً؛ الأمر الذي أدى إلى إحالة القضية إلى القضاء.
استمع القضاء الموحد طويلاً إلى شهادة كل المعنيين وعلى رأسهم أبو النصر قائد فيلق الرحمن وأبو أويس قائد الأحرار، وبعد التثبت تم الحكم بعدم شرعية انفصال الأحرار عن الفيلق؛ لأنهم اتفقوا على حرق السفن، وتمت مطالبة من يريد الخروج منهم منفرداً بتسليم سلاحه، ولدى التوسط عند قائد الفيلق تعهد بإعادة كل قيادي الحركة إلى مواقعهم القيادية إذا عدلوا عن قرار الانفصال، حيث كانت أغلب المهام القيادية داخل الفيلق بيد الأحرار بعد الاندماج كالأمور المالية والتدريب، كما حكم القضاء لصالح الأحرار بأن طالب الفيلق بإعداد نظام داخلي خلال سبعة أيام، أما بالنسبة للاعتداء الذي قام به عدد عناصر من فيلق الرحمن على مقر أحرار الشام في عربين على خلفية الانفصال، فنوه أبو اليسر إلى أن القضية لا تزال عند القضاء، وقد تأخر الحكم فيها لعدة اعتبارات، أهمها إشكالية هل هم كيان واحد أم كيانان، فالحكم يختلف في كل من الحالتين بحسب ما ذكر أحد القضاة، لافتاً إلى حكمة عناصر الأحرار في التعامل مع هذه المشكلة.
وأشار أبو اليسر إلى أن الاجتماع الذي عقد بين الطرفين شهد تعهد كل منهما باحترام الآخر، وعاد قائد الفيلق للتعهد بأن لا يتم التشفي من أحد، وأن تطوى الصفحة الخاصة بالمشكلة، وجدد تعهده باحترام الأمر القضائي الخاص بالاعتداء على مقرات الحركة.
وأضاف أبو اليسر: أصدر القضاء الموحد بياناً رحّب فيه بتنفيذ الأحرار شقاً من الحكم، واستنكر عدم تنفيذ باقي الحكم فيما لا تزال الحركة الأم ترفض الحكم القضائي، ويقف جيش الإسلام الذي تعهد بتنفيذ قرارات القضاء الموحد مع لواء فجر الأمة على الحياد، ولا تزال الوساطات قائمة للتوصل إلى صيغة حل بعد الأحكام التي صدرت، وأتاحت لعناصر الأحرار الخروج من الفيلق لكن دون أسلحتهم، وهو مارفضته الحركة وخرجت بأسلحتها وعتادها الذي اعتبره القضاء قسماً من عتاد فيلق الرحمن.
عكّرت هذه الإشكالية المزاج العام السائد والمليء بالانتصارات القادمة من الشمال، والإعلانات المتواصلة في الغوطة عن توحيد الكتائب، والسعي لتوحيد كافة الأعمال المدنية تحت قيادة موحدة، لكن كل ذلك لم يمنع الأهالي من الاحتفال بالنصر والتوحد، خاصة في ظل هذا الالتزام الفريد من قبل كل الأطراف بمقررات القضاء، والعودة له للوصول لحلول مناسبة لمثل هذه القضايا دون الخروج إلى الشوارع والتصرف بعشوائية كما كان الحال فيما مضى.
المصدر : القدس العربي