سياسة

«منطقة آمنة» من الفرات إلى مارع… والحماية الأميركية «ضد أي هجوم وفي أي مكان»

تضمن الاتفاق بين واشنطن وأنقرة إقامة «جزيرة آمنة» تمتد من الضفة الغربية لنهر الفرات إلى مارع معقل «الجيش الحر» في ريف حلب شمال سورية، بالتزامن مع موافقة الرئيس الأميركي باراك أوباما على اقتراح خطي بحماية مقاتلي المعارضة السورية الذين يتم تدريبهم من قبل وزارة الدفاع الأميركية (بنتاغون) في أي مكان وضد أي هجمات يتعرضون لها «من أي طرف بما فيها قوات الأسد» سواء شمال البلاد قرب حدود تركيا أو جنوبها قرب حدود الأردن.

وقال مسؤول غربي رفيع المستوى لـ «الحياة» إن الاتفاق الأميركي – التركي كان خلاصة مفاوضات استمرت لأكثر من ثمانية أشهر تضمن الكثير من البنود بعد محادثات الجنرال المتقاعد جون آلن منسق عمليات التحالف الدولي – العربي ضد «داعش» مع الجانب التركي في بداية تموز (يوليو) الماضي، ذلك أن أنقرة اشترطت أن يقر الرئيس أوباما الاتفاق في ضوء تجربتها السابقة من أنها مواقف متناقضة كانت تأتي من مسؤولين أميركيين، الأمر الذي حصل لدى اتصال أوباما بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان.

وتضمن الاتفاق عناصر رئيسية، بينها أن يفتح الجانب التركي قاعدة انجرليك أمام مقاتلات التحالف الدولي – العربي وتحديداً الأميركية لشن غارات ضد «داعش» في سورية والعراق وأن يبدأ الجانب التركي انقلاباً ضد التنظيم وتفكيك شبكاته في تركيا ويضبط حدوده مع سورية ومع الغرب، في مقابل موافقة واشنطن على «جزيرة آمنة كأمر واقع» تمتد من جرابلس إلى أعزاز بطول حوالى 115 كيلومتراً في محاذاة الحدود السورية – التركية وبعمق قدره حوالى 70 كيلومتراً يمتد من الضفة الغربية لنهر الفرات إلى مارع بما يشمل الباب، إضافة إلى موافقة أوباما على توفير الحماية الجوية للفصائل التي يدربها خبراء وزارة الدفاع الاميركية.

واتاح هذا الاتفاق لتركيا خوض حرب ضد «حزب العمال الكردستاني»، إضافة إلى أن تحول هذه المنطقة الأمنة من دون ربط إقليمي الأكراد اللذين يقيمهما «حزب الاتحاد الديموقراطي» في عين العرب (كوباني) وعفرين في ريف حلب، إضافة إلى الإقليم الثالث في الجزيرة شرق سورية.وتضمن الاتفاق أيضاً ألا يتم إعلان المنطقة الأمنة بقرار دولي من مجلس الأمن أو تعهد علني، بل بفرضها «أمراً واقعاً عبر تحليق مقاتلات التحالف فوقها».

وقال المسؤول إن واشنطن أبلغت دمشق عبر الجانب العراقي بأن يشغل النظام راداراته كي يعرف أماكن تحليق مقاتلات التحالف ويتجنبها، كما حصل مع مقاتلات التحالف منذ بدء غارات التحالف في أيلول (سبتمبر) الماضي، ذلك أن «مقاتلات النظام لم تقترب من مناطق تحليق مقاتلات التحالف.كما أن أي طائرة لم تسقط إلى الآن».

وكان الناطق باسم البيت الأبيض جوش ايرنست قال الاثنين: «نرى إلى الآن أن نظام الأسد ملتزم بالنصيحة التي قدمناها له بعدم اعتراض أنشطتنا داخل سورية». وستكون هذه المنطقة ملجأ أمناً لفصائل المعارضة المعتدلة بما فيها الفصائل الإسلامية، إضافة إلى تشكيل بنية تحتية مدنية بدعم خارجي وبإشراف الحكومة الموقتة في «الائتلاف الوطني السوري» المعارض ومنظمات أهلية مع احتمال عودة لاجئين سوريين من تركيا إليها، لكن لن يصل الأمر إلى حد مشاركة واضحة من الأمم المتحدة باعتبار أن ذلك مرتبط بقرار دولي.

لكن احتمال توسيع المنطقة وارد في ضوء تطورات الأزمة السورية. التطور الأبرز، كان موافقة أوباما بعد تردد كبير على توفير حماية جوية دفاعية لمقاتلين سوريين يتدربون ضمن برنامج تسليح وتدريب المعارضة المعتدلة لقتال «داعش». وقال المسؤول إن رئيس البرنامج الجنرال مايكل ناغاتا اقترح على الرئيس الأميركي توفير الحماية الجوية، لكن أوباما كان يرفض ذلك كي لا يستفز إيران خلال المفاوضات إزاء البرنامج النووي وكي لا يدخل في التزام عسكري طويل الأمد في سورية.

وأضاف أن أوباما وافق على الاقتراح الخطي بتوفير الحماية الجوية ضمن التفاهم الأميركي – التركي. وقال المسؤول: «ستدافع مقاتلات التحالف عن القوات السورية ضد أي هجمات، والغارات ستكون دفاعية وليست هجومية».

وكان ايرنست قال انه على النظام السوري بـ «ألا يتدخل» في العمليات التي تقوم بها القوات المعارضة التي دربتها الولايات المتحدة، وإلا فان «خطوات إضافية» قد تتخذ للدفاع عنها، في تهديد مبطن بإمكان اللجوء إلى الضربات الجوية ضد قوات النظام، مشدداً في الوقت نفسه على أن الأخيرة لم تحاول حتى الآن عرقلة تحركات المجموعات العسكرية التي تدعمها الولايات المتحدة.

وأشار المسؤول الغربي إلى أن الحماية الجوية الدفاعية لن تكون مقتصرة على المنطقة الآمنة، بل في أي نقطة سيتم فيها نشر المقاتلين الجدد، مع احتمال ضم برنامج وزارة الدفاع (البرنامج العلني) في شمال سورية إلى برنامج «وكالة الاستخبارات المركزية» (سي آي أي) الذي يركز في جنوب سورية قرب حدود الأردن (البرنامج السري).

وأضاف أن برنامج وزارة الدفاع يتعرض لتحدٍ كبير بسبب هجمات «جبهة النصرة» على عناصر جرى تدريبهم أخيراً من أصل 54 خضعوا لمعسكر تدريبي بعد انتقائهم من 3250 ضمن خطة لتدريب خمسة آلاف سنوياً لثلاث سنوات. وقال المسؤول إن بعض المسؤولين الأميركيين يطرح مشروع دمج البرنامجين السري والعلني، مع توسيع دائرة المهمة بحيث لا تكون محصورة بمحاربة «داعش»، بل «الدفع للوصول إلى حل سياسي» في سورية.

ولا يزال الاتفاق الأميركي – التركي يتقدم بحذر جراء الشكوك المتبادلة بين البلدين، إذ إن واشنطن تنتظر فتح قاعدة أنجرليك أمام مقاتلاتها وألا تطلب الحكومة التركية موافقة البرلمان على ذلك (كما حصل قبل غزو العراق في 2003) وأن تكون الحرب التركية ضد «داعش» لا رجعة عنها، فيما تنتظر أنقرة مدى التزام واشنطن تعهداتها بحماية المنطقة الآمنة وتوفير غطاء جوي لمقاتلي المعارضة وعمق التنسيق بين الطرفين لتحديد الفصائل السورية المقبولة.

المصدر : الحياة 

زر الذهاب إلى الأعلى