سياسة

عنصرية البُلهاء

قد لا يكون جميع العنصريّين بُلَهاء. لكن العنصريّة نفسَها في ما يذهب إليه معتنقوها من كراهية للآخرين ومن ادّعاء تفوّق جماعاتي عليهم هي البلاهة بعينها.

وهي، فوق ذلك، مدعاة توزيع مهامٍ بَلهاء وساقطة على أتباعها. فسياسيّوها يصرّحون بوحيٍ منها وبادّعاءات ومصطلحات حقد وازدراء معمّمة تفرضها. والرعاع ينتشرون كعصابات في الشوارع ويعتدون عشوائياً على من يندرج ضمن استهدافاتها. والكتّاب من أهلها يحاولون تبريرها واعتبار مؤدّياتها الميدانية ردود أفعال غاضبة على ما أقدم عليه ضحاياها ومن يشبههم في اعتداءات سابقة.

هكذا، تتحوّل العنصرية الى ماكينة تختلط في مستويات عملها شرائح المنتمين إليها وتتكامل مهامهم.

وهكذا تتحوّل البلاهة المقرونة بالحقد الى مذهب عام يشكّل عنصر التماسك للشرائح المختلفة. ثمّ تتسلّل منه لغة وأمثلة ومقارنات وأحكام يتداولها من هم على ضفاف العنصرية وعياً وبلا وعي.

على أنّ أسوأ ما قد تُنتجه العنصرية هو تحويل مقولات ووقائع الى مواد نقاشٍ تحجب المواد الفعلية اللازم نقاشها. فأن يصير الحديث محصوراً باستنكار أو تأييد سلوك شبّان يهاجمون لاجئين في الشوارع لخرقهم “الحظر على تجوّلهم ليلاً”، وأن يقال إن ضرب عمّالٍ هو ردّ على ذبح “داعش” لجندي لبناني أسير، فالأمر خطير لأنّه يغيّب عن عمدٍ القضايا التي يُفترض باللبنانيّين (والسوريّين) التباحث فيها.

من هذه القضايا مثلاً، أن مبدأ حظر التجوّل على مجموعة من البشر هو في ذاته اعتداء عليها وتمييز ضدّها يجب التصدّي له قانونياً ومقاضاة المجالس البلدية والسياسيّين الذين اعتمدوه؛ ومنها أن الاعتداءات الجماعية على أفراد لمجرّد انتمائهم الوطني أو الإثني أو الديني (أو غير ذلك) هو سلوك إجرامي ينبغي إنزال أشدّ العقاب بمُرتكبيه بمعزل عن أي مُلابسات أو ظروف؛ ومنها أيضاً أن القول بالانتقام من “داعش” عبر مهاجمة سوريّين في لبنان هو قول محمّل بالخبث السياسي والمذهبي عند البعض وبفائض البلاهة عند البعض الآخر. فما معنى اعتبار “داعش” سوريّة الانتماء أصلاً؟ وما معنى القول إن في ضرب عمّال ولاجئين ردّاً على جرائمها؟ ومِن مصلحة مَن تناسي أن “داعش” قبل اعتدائها على القوى الأمنية والعسكرية اللبنانية قتلت أكثر من ستّة آلاف سوري (بينهم ما يزيد على الأربعة آلاف مقاتل من الجيش الحرّ والفصائل الإسلامية وأكثر من 500 رجل من عشيرة الشعيطات – وجميع هؤلاء بالمناسبة مسلمون سنّة)، وأنّها قبل خطفها جنوداً لبنانيّين خطفت مئات الناشطين السوريّين المعارضين للنظام في الرّقة وحلب وغيرهما.

تحويل الأنظار عن هذه القضايا والسعي الى إلصاق صفة “الداعشية” باللاجئين والعمّال السوريّين في لبنان لتبرير الاعتداء عليهم، هو إذن مزيج من مفاعيل “عنصرية البُلَهاء” وسياسات حزب الله وحلفائه مِمّن يبحثون عن تبريراتٍ لاستمرار توافد آلاف مقاتلي الحزب الى سوريا لنُصرة النظام الفاشي فيها (وتوافدهم بدأ قبل ولادة الوحش “الداعشي”). 

والواجب في مقابل ما يجري هو تنظيم حملات مدنية وإعلامية مضادة، ليس دفاعاً عن اللاجئين والعمّال السوريّين فحسب، بل أيضاً عمّا تبقّى من قانون وحقوق إنسان في لبنان، وعن لبنان نفسه.

زياد ماجد 

زر الذهاب إلى الأعلى