نفذت القوات الأوكرانية توغلاً سريعاً في منطقة كورسك الروسية، وقد وُصف بأنه أكبر عملية توغل عبر الحدود منذ بدء الحرب المستمرة منذ قرابة عامين ونصف. هذا التوغل كشف عن نقاط ضعف في الدفاعات الروسية ووجه ضربة مؤثرة للكرملين.
التوغل المفاجئ أجبر آلاف المدنيين على الفرار من المنطقة، في الوقت الذي تكافح فيه القوات الروسية لصد الهجوم.
بالنسبة لأوكرانيا، يعتبر هذا الهجوم عبر الحدود بمثابة دفعة معنوية هامة في ظل مواجهة قواتها التي تعاني من نقص في الأفراد والأسلحة، إضافة إلى أن الهجمات الروسية متواصلة على جبهة تمتد لأكثر من 1000 كيلومتر (620 ميلا).
كيف تطور الهجوم الأوكراني؟
تدفقت قوات كييف إلى منطقة كورسك من عدة محاور في الساعات الأولى من يوم الثلاثاء، حيث تمكنت بسرعة من اجتياز عدد من نقاط التفتيش والتحصينات الميدانية التي كانت تحت سيطرة وحدات حرس الحدود والمشاة المسلحين بشكل خفيف على طول الحدود البالغ طولها 245 كيلومترًا (152 ميلًا) مع أوكرانيا.
على عكس الهجمات السابقة التي نفذتها مجموعات صغيرة من المتطوعين الروس الذين يقاتلون إلى جانب القوات الأوكرانية، يبدو أن الهجوم على منطقة كورسك شمل وحدات من عدة ألوية أوكرانية محنكة.
أفاد مدونون عسكريون روس بأن مجموعات متنقلة أوكرانية تتألف من عدة مركبات مدرعة اخترقت بسرعة عشرات الكيلومترات داخل الأراضي الروسية، متجاوزة التحصينات الروسية ونشرت الذعر في جميع أنحاء المنطقة.
وفقًا لمعهد دراسة الحرب، وهو مركز أبحاث مقره واشنطن، تمكنت القوات الأوكرانية من التوغل حتى 35 كيلومترًا (20 ميلًا) داخل المنطقة. وأوضح التحليل أن “القوات الأوكرانية تبدو قادرة على استخدام هذه المجموعات المدرعة الصغيرة لتنفيذ هجمات تتجاوز خط الاشتباك بسبب قلة الكثافة العددية للقوات الروسية في المناطق الحدودية”.
استخدمت القوات الأوكرانية الطائرات المسيرة على نطاق واسع لضرب المركبات العسكرية الروسية ونشرت معدات الحرب الإلكترونية لتعطيل الطائرات المسيرة الروسية وإفساد الاتصالات العسكرية.
في حين أن مجموعات متنقلة صغيرة جابت المنطقة دون محاولة تثبيت السيطرة، أفادت التقارير بأن قوات أخرى بدأت في تحصين مواقعها حول بلدة سودجا التي تبعد حوالي 10 كيلومترات (6 أميال) من الحدود وفي مناطق أخرى.
كيف كان رد الفعل الروسي؟
فوجئت القوات الروسية بالهجوم وفشلت في الاستجابة السريعة له. مع انخراط معظم الجيش الروسي في هجمات شرسة في منطقة دونيتسك الشرقية في أوكرانيا، كانت الحماية على الحدود ضعيفة، حيث اعتمدت على مجندين غير مدربين بشكل كافٍ، ما جعلهم هدفًا سهلًا للقوات الأوكرانية النخبوية. وتم أسر بعض المجندين.
نتيجة لنقص الأفراد، لجأت القيادة العسكرية الروسية في البداية إلى الطائرات الحربية والمروحيات القتالية لمحاولة صد الهجوم الأوكراني. ووفقًا للمدونين العسكريين الروس، أسقطت مروحية روسية واحدة على الأقل وتضررت أخرى بفعل القوات الأوكرانية المتقدمة.
فيما بعد، وصلت تعزيزات روسية إلى منطقة كورسك، بما في ذلك وحدات القوات الخاصة النخبوية والمحاربين القدامى من مجموعة فاغنر العسكرية، لكنهم حتى الآن فشلوا في طرد القوات الأوكرانية من سودجا والمناطق المحيطة بها.
بعض هذه القوات الجديدة تفتقر إلى المهارات القتالية وتكبدت خسائر فادحة. في حادثة واحدة، توقفت قافلة من الشاحنات العسكرية بشكل غير مدروس على جانب الطريق بالقرب من منطقة القتال وتعرضت لهجوم ناري أوكراني.
أعلنت وزارة الدفاع الروسية يوم الجمعة، أن أوكرانيا فقدت 945 جنديًا خلال أربعة أيام من القتال. لم يكن بالإمكان التحقق من هذه الأرقام بشكل مستقل، كما لم تقدم الوزارة أي تفاصيل عن الخسائر الروسية.
ماذا قالت أوكرانيا عن التوغل؟
التزمت السلطات الأوكرانية الصمت بشأن التوغل عبر الحدود. في خطابه مساء الخميس، تجنب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الإشارة المباشرة إلى القتال في منطقة كورسك. لكنه أكد أن “روسيا جلبت الحرب إلى أرضنا، ويجب أن تشعر بتبعات أفعالها”.
وقال مستشار زيلينسكي ميخايلو بودولياك إن الهجمات عبر الحدود ستجعل روسيا “تدرك تدريجياً أن الحرب بدأت تتسرب إلى أراضيها”. وأشار إلى أن مثل هذه العمليات ستعزز موقف كييف في أي مفاوضات مستقبلية مع موسكو.
وأضاف: “متى سيكون من الممكن إجراء عملية تفاوض بطريقة تمكننا من دفعهم أو الحصول على شيء منهم؟ فقط عندما لا تجري الحرب وفقًا لسيناريوهاتهم”.
ماذا قال الكرملين؟
وصف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين التوغل بأنه “استفزاز واسع النطاق” شمل “قصفًا عشوائيًا للمباني المدنية والمنازل السكنية وسيارات الإسعاف”.
وأكدت السلطات الروسية أن الهجوم الأوكراني على منطقة كورسك أسفر عن مقتل خمسة مدنيين على الأقل، بينهم اثنان من العاملين في سيارات الإسعاف، وإصابة ما يقرب من 70 آخرين.
وقال دميتري ميدفيديف، نائب رئيس مجلس الأمن الروسي، إن الهجوم الأوكراني أكد الحاجة إلى توسيع أهداف موسكو الحربية لتشمل السيطرة على المزيد من الأراضي الأوكرانية بما في ذلك العاصمة كييف، وميناء أوديسا على البحر الأسود، ومدن رئيسية أخرى.
وأعلنت روسيا حالة الطوارئ الفيدرالية في منطقة كورسك، مما منح السلطات المحلية المزيد من الصلاحيات لتنسيق الاستجابة السريعة. وركزت وسائل الإعلام الروسية على جهود الكرملين لتقديم المساعدة للسكان النازحين بينما قللت من شأن عدم استعداد الجيش للهجوم.
ما هي أهداف أوكرانيا وكيف يمكن أن تتطور الأوضاع؟
قد تهدف كييف من خلال هذا التوغل إلى إجبار الكرملين على تحويل الموارد من منطقة دونيتسك الشرقية، حيث تشن القوات الروسية هجمات متواصلة في عدة قطاعات وتحقق مكاسب بطيئة ولكن ثابتة، مستفيدة من تفوقها في القوة النارية.
في وقت تواجه فيه قوات كييف صعوبة في صد التقدم الروسي في الشرق، يُظهر هذا التوغل السريع قدرة أوكرانيا على استعادة زمام المبادرة.
كما وجه ضربة قوية للكرملين، مسلطًا الضوء على فشله في حماية الأراضي الروسية، ودحض رواية بوتين بأن روسيا بقيت بمعزل عن الحرب.
ولكن على الرغم من النجاحات الأولية، قد يتسبب التوغل في كورسك في استنزاف بعض أفضل وحدات أوكرانيا، مما يترك القوات في دونيتسك بدون تعزيزات حيوية.
قد يكون من الصعب على القوات الأوكرانية إنشاء وجود دائم في منطقة كورسك، حيث ستكون خطوط إمدادها عرضة للهجمات الروسية.
لا يزال المحللون العسكريون غير متأكدين من الأهداف التشغيلية لأوكرانيا وعدد القوات المشاركة في غارة كورسك. وقال مايكل كوفمان، المحلل العسكري في مؤسسة كارنيغي، إن “الكثير يعتمد على ما تمتلكه أوكرانيا من احتياطي لإلقائه في العملية، ومدى سرعة تنظيم الاتحاد الروسي لمواجهة ذلك”.
يورونيوز