ألمانيا: اللاجئون السوريون ورحلة البحث عن التأقلم
أصبح آلاف السوريين لاجئين في شتى أنحاء العالم، وغدت ألمانيا اليوم بلداً مفضلاً لدى الباحثين منهم عن اللجوء. فكيف ينظر هؤلاء لألمانيا، بلد إقامتهم الجديد. وهل استطاعوا أن يتغلبوا على صعوبة التكيف بسبب الاختلافات الثقافية؟
ملايين السوريين باتوا مشتتين في أنحاء مختلفة من العالم، فمنهم من رحل إلى دول الجوار كلبنان والأردن وتركيا، ومنهم من قضى نحبه غرقاً في الطريق إلى القارة العجوز، والأوفر حظاً منهم تمكنوا من الوصول إلى أوروبا ولو بشكل غير شرعي، غير أن بعض الدول الأوربية تتسامح في منح هؤلاء حق اللجوء، بغض النظر عن وضعهم القانوني أو غير القانوني، نظراً لظروف الحرب الدائرة في وطنهم.
الدول التي تقوم أساسا بمنح حق اللجوء للسوريين هي السويد وألمانيا وهولندا والدنمارك، بَيدَ أن هناك دولاً أوروبية كبرى عملت على جعل طلب اللجوء فيها أمرا شبه مستحيل، مثل بريطانيا التي لم تستقبل حتى الآن إلا تسعين لاجئاً سورياً فقط، وهو رقمٌ مخجل بالنظر إلى إمكانيات بريطانيا الهائلة ومكانتها السياسية أو بأعداد اللاجئين الذين تم استقبالهم من دول الجوار السوري: فالبلد الصغير لبنان وحده استقبل أكثر من 1.5 مليون لاجئ سوري.
أبواب الأمل
لا تنتهي رحلة اللاجئ بالنجاة من قوارب الموت والوصول إلى ألمانيا أو الحصول على إقامة اللجوء، حيث يختلف بالنسبة له مجرى الحياة في البلد المضيف، ويصبح مطلوبا منه التأقلم أوالاندماج مع الثقافة الجديدة للبلد. لكن يبدو بشكل عام أن اللاجئين السوريين يتعاملون بكيفية جيدة في التقليل من الصدمة الثقافية. تقول الخبيرة النفسية الاسبانية اليسا مارفينا، المهتمة بشؤون اللاجئين السوريين: ” أعتقد أن السوريين يتمتعون بمعنويات عالية، وحتى في الظروف الصعبة فإنهم يعبرون على أملهم في مستقبل أفضل”، وتضيف مارفينا أن الانتقال من وضع سيء إلى محيط أكثر أمناً يشكل دافعا بالنسبة لهم للقيام بجهدٍ أكبر.
ويعلق على ذلك السيد معتصم – مهندس سوري شاب حصل على اللجوء في ألمانيا – قائلا: “حتى كبير السن من هؤلاء اللاجئين يسعى إلى التأقلم، فتراه يحمل دفاتره ويذهب إلى المدرسة ليتعلم اللغة الألمانية، رغم تقدمه في السن، وفي بعض الأحيان، تراه يجلس سويا مع أولاده في درس اللغة”.
البحث عن مناخ تعددية ثقافية
“لا نريد أن نكون عالةً على الدولة والمجتمع، شبابنا جاؤوا ليشقوا طريقهم ويبنوا مستقبلهم”، بهذه الكلمات عبر اللاجئ السوري في هامبورغ محمد جابو عن مخططاته المستقبلية، فالحكومة الألمانية تقدم مساعدة لابأس بها للاجئين، غير أن جابو يؤكد أن اللاجئين يودون أن يصبحوا عناصر منتجة وفاعلة. كما يشير في نفس الوقت إلى وجود فئة من اللاجئين الذين يصعب عليهم الحصول على عمل في بلد لم يتعودوا على ثقافته وأنظمته.
وبحثا عن أجواء تعددية ثقافية في ألمانيا يميل اللاجئون السوريون عند البحث عن اللجوء إلى اختيار المدن التي تضم تجمعات كبيرة للجاليات العربية عموماً والسورية تحديداً، “حتى لا تكون الصدمة الثقافية قاسية”، كما يلاحظ السيد معتصم.
ويقول المهندس معتصم: “خريجو الجامعات السورية يواجهون مشكلة في إيجاد عمل مناسب”، فالدراسة في سوريا تركز إلى حد ما على المعرفة النظرية. ولذلك يقترح معتصم ضرورة تنظيم دورات تدريبية عملية لحاملي الشهادات الجامعية من بين اللاجئين، وحسب الاختصاص، حتى يكتسبوا الخبرة اللازمة فيستثمروها بقوة وتنافسية في سوق العمل، كما يلاحظ معتصم.
وتعتبرالخبيرة النفسية مارفينا أن اللاجئين السوريين يرغبون في اغتنام فرصة وجودهم في أوروبا واستثمارها بشكل جيد. فهم “يريدون ببساطة استعادة المستوى المعيشي الذي حازوه في سوريا”.
صورة خاطئة عن الحياة في أوروبا
ويتحدث معتصم عن فكرة سائدة لدى اللاجئ الذي ينطلق من أن الوصول إلى أوربا يشكل “وصولا إلى الفردوس، وأنه سيقضي بقية حياته مستمتعا بالرفاهية الدائمة”، ويضيف المتحدث أن مسار الحياة هنا مختلفٌ كلياً عما تعود عليه السوريون في بلدهم، فالعمل يتطلب الخبرة والتفاني والتأقلم مع النظام الاجتماعي والاقتصادي للبلد، حيث إن تعلم اللغة الألمانية لوحدها غير كاف، “حتى استئجارُ منزلٍ فيه شيء من التعقيد، إذ هنالك مواقع مختصة على الانترنت لهذا الغرض، وعليك أن تبحث وتراسل فالبحث وحده لا يكفي”. وكثيرا ما يتحدث اللاجئون عن “صدمتهم بالواقع المعيشي هنا”، كما يضيف المهندس معتصم، ملاحظا أن ” الصورة البراقة لأوروبا لدى اللاجئ تتكسر على أعتاب صعوبة التأقلم في البلد الجديد”.
DW – وطن اف ام