سياسة

السعودية: تصفية تركة عهد عبد الله

لم يتأخّر العاهل السعودي، الملك سلمان بن عبد العزيز، في اصدار 33 أمراً ملكياً، مساء أول من أمس، تمخّض عنها اعفاء وتعيين ثمانية وزراء جدد، وإلغاء 12 جهازاً من أجهزة الدولة المستحدثة في عهد أخيه، الذي لم يمض أسبوع على وفاته، ودمج وزارة التعليم العالي بوزارة التربية، إضافة إلى صرف راتب شهرين أساسيين للموظفين السعوديين من مدنيين وعسكريين، والعفو عن السجناء في الحق العام.

وتُعتبر تلك القرارات ترجمة فعلية لكافة التحليلات التي تحدّثت عن وجود نيّة لاحداث نقلة كبيرة بعيدا عن العهد السابق، وأن ما صدر من أوامر أوليّة أقصت رئيس الديوان الملكي السابق ومعه فريقه كاملاً من أبناء الأسرة، وتعيين نجل الملك بديلاً عنه ووزيراً للدفاع، ووزير الداخلية محمد بن نايف ولياً لولي العهد، كانت مقدّمة لقرارات أخرى تهدف لإعادة هيكلة البيت الداخلي، من الداخل، ورسم خارطة جديدة لعهد جديد يعزّز أواصر الاتفاقيات التاريخية والوضع السابق لما كان قبل الغربلة.

ورغم مضي أقلّ من شهرين على آخر تشكيل وزاري شهدته البلاد، فإن الاجتماع الوزاري الأول في عهد الملك سلمان، انتهى بأنّه من الأفضل ألا يبقى أحد من العهد القديم، سواء من المحسوبين عليه بشكل مباشر، كأبناء الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز في إمارة المناطق، أو المرضي عنهم من الوزراء أو رؤساء القطاعات الحكوميّة. فصدرت الأوامر بعزل أميري مكّة المكرّمة والعاصمة الرياض، وهما نجلا الملك عبد الله مشعل وتركي، فيما لا يزال وزير الحرس الوطني، الأمير متعب بن عبد الله، محافظاً على منصبه، ليكون الفرد الأخير من نسل الملك الراحل الذي يحقّ له حضور مجلس الوزراء.
وتفيد كافة المؤشّرات بأنّ عزل متعب غير وارد بحكم ما يتمتّع به من ولاء القطاع العسكري له ولوالده، إضافة إلى أنّ طموحه للوصول إلى سدّة العرش لا يزال قائماً، وإن تأجّل بتعيين وزير الداخليّة محمد بن نايف ولياً لولي العهد.

وعزل الملك السعودي ثلاثة من أكثر الوجوه الدينيّة التي عُرفت بالانفتاح، وكانت تُقدم بوصفها أحد نجاحات الملك الراحل، وهم: وزير العدل محمد العيسى، ويُعرف عنه أنه كان لاعباً فاعلاً في دائرة رئيس الديوان الملكي السابق خالد التويجري، خلف الكواليس، لعقد الصفقات وتمرير عدد من القرارات التي كانت القوى الدينيّة الرسميّة تتصدى لها، خصوصاً تلك المتعلّقة بالمرأة، كتعيين أول امرأة نائبة لوزير التربية والتعليم، ووضع كوتا لدخول النساء إلى مجلس الشورى، والسماح للمرأة بالدخول في الانتخابات البلديّة كمرشحة وناخبة.

وفي نطاق عمله المباشر، شهدت الوزارة تطوراً في توظيف التقنيات والمعلوماتيّة لإنهاء المعاملات، بالإضافة إلى استحداث دوائر وأقسام جديدة لتسيير أعمال الوزارة، لكنّ العهد ذاته شهد صدور أحكام قاسية في حق عدد من الناشطين في المجال العام، كجمعية الحقوق المدنية والسياسية (حسم) والناشط وليد أبو الخير، إضافة إلى سجن ثلاثة محامين بتهمة ازدراء القضاء.
ويُعدّ رئيس هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، عبد اللطيف آل الشيخ، الوجه الثاني، الذي يُشهد له من داخل وخارج قطاع الشرطة الدينيّة بأنّه أحدث انقلاباً تسبّب بطرد عدد من عتاة الحرس القديم المتشدد، الذي يسعى إلى محاصرة الحريّات الاجتماعيّة التي كانت في الأصل تعاني من التضييق. وتسبّبت خطوات آل الشيخ في فصل وعزل عدد من الموظفين والإداريين في ذلك القطاع، بالإضافة إلى تحجيم عمل الميدانيين في الأسواق والمهرجانات الترفيهيّة.

أما الوجه الثالث فيجسّده وزير الشؤون الإسلاميّة والأوقاف، سليمان أبا الخيل، الذي ظلّ لسنوات خصماً عنيداً للحركيين في التيّارات الدينيّة، إبّان رئاسته جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلاميّة. وكان الهدف من تعيينه في الوزارة، أن يواصل محاربتهم من موقع آخر، لكن لم يمض على جلوسه على الكرسي أقل من خمسين يوماً، ليغادره سريعاً.

ويعود الملك الجديد من خلال هذه التعيينات الجديدة، إلى الاتفاقيات التاريخيّة بين الأسرة، بين بعضها البعض، وبين الأسر التي اشتهرت بولائها المطلق لآل سعود. فأعاد وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف الذي أعفاه أخاه من منصبه، وهو صالح آل الشيخ، وهو سليل الشريك الديني في تأسيس الدولة السعودية محمد بن عبد الوهاب. كما عيّن عبد اللطيف آل الشيخ، من الأسرة ذاتها، وزيراً للشؤون البلديّة والقرويّة، بدلاً من ابن أخيه منصور بن متعب الذي عينه مستشاراً خاصاً له.

وفي ما يتعلّق بالأسرة، فقد أعاد الملك سلمان، الأمير خالد نجل الملك فيصل، إلى منصبه القديم، كأمير على منطقة مكّة المكرّمة، بعدما جرى تحجيمه وتعيينه وزيراً للتربية والتعليم، كما تمت ترقيته بجعله مستشاراً خاصاً للملك برتبة وزير. وكان لوزارة الإعلام نصيبها من الدخول تحت السيطرة والنفوذ المباشرين للملك الجديد، عبر تعيين مدير قناة العربية عادل الطريفي وزيراً عليها، إذ للملك حصّة من القناة إضافة إلى مجموعة قنوات أم بي سي.

في موازاة ذلك، لاقى أمران ملكيان صدى واسعاً لدى السعوديين، وهما دمج وزارة التعليم العالي بوزارة التربية والتعليم، تحت مسمّى وزارة التعليم، بالإضافة إلى صرف راتب شهرين أساسيين للموظفين السعوديين من مدنيين وعسكريين، والعفو عن السجناء في الحق العام. وتمّ استقبال هذين الأمرين بالترحيب، بالتزامن مع التساؤل عن الهيكلة التي ستكون عليها وزارة التعليم الجديدة. ويعتبر مراقبون أنّ قرار إلغاء 12 جهازاً حديثاً أمر صائب، نظراً لما كانت تستنزفه من موارد مالية، وأن الاكتفاء بمجلسين، وهما مجلس الشؤون السياسيّة والأمنيّة، ومجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، سيكون أكثر فاعلية وجدوى إذا جرى استثمارهما بالشكل الصحيح.

العربي الجديد – وطن اف ام 

زر الذهاب إلى الأعلى