سياسة

“هيئة التنسيق” تواجه شرخاً في اصطفافاتها الداخلية

أحدث إعلان “هيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الديمقراطي” مقاطعتها لمؤتمر “جنيف 2” شرخاً في اصطفافاتها الداخلية، بين من قال: إن لا مفاوضات من دون إجراءات بناء الثقة، والتي تمثل أدنى حقوق الشعب السوري اليوم، وبين من قال: بالذهاب إلى طاولة المفاوضات في الجلسة الثانية، بمقعدين أو ثلاثة، وبأي ثمن.

لكن ما لم يتم التركيز عليه هو حصيلة اجتماع “هيئة التنسيق” و “الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية” في القاهرة، والذي سبق مؤتمر “جنيف2″، وعليه خرج بورقتين، سياسية وأخرى تنظيمية، يعاد فيه مشهد تملص “المجلس الوطني” في دسمبر/كانون الأول العام 2011 من اتفاق مع “هيئة التنسيق”، ولتكون هاتان الورقتان إضافة ليست بجديدة لمشاريع توحيد المعارضة، والذي أصبح مشروعاً مكسباً أكثر منه مطلباً.
فيتكرر المشهد من جديد قبيل مؤتمر القاهرة المنعقد في يناير/كانون الثاني العام 2015، وليتملص “الائتلاف من توقيع على خريطة طريق معدة لجمع توافقات قوى المعارضة عليها”، بل “وتسبق هيئة التنسيق و الائتلاف في التواجد في القاهرة بانتظار التوقيع الذي لم يحصل.”

يصدف أن يرافق كل سقوط وشيك لـ “الائتلاف” حركة من هذا النوع، تدفع بقيادات “الائتلاف قبيل انتهاء ولايتها إلى محاولة جمع المعارضة السورية، وتنتهي بتغيير قيادتها والعودة إلى خطابها الأول، أنه لا تفاوض مع النظام قبل تنحيه”، وأن إدراج معارضة الداخل بـ “الائتلاف و الحكومة المؤقتة سيضر بهما كمثل ما صرح به أحمد رمضان، عضو الائتلاف في مارس/آذار العام 2013 في “القدس العربي”، وما قاله خالد الخوجة بأن أي اجتماع لا يحضره الائتلاف لا قيمة له.

أحدث إعلان القاهرة الذي جمع قوى المعارضة تقدماً كبيراً من ناحية مواءمة الطرح لمستجدات الحدث السوري من جهة ولبيان جنيف من جهة أخرى، والذي يعد ـ أي الأخير ـ الورقة الوحيدة التي تحمل توافقاً دولياً، رغم ضبابية ببعض أجزائه.
كما تعمل لجنة المتابعة المنبثقة عن المؤتمر على عقد مؤتمر موسع لقوى المعارضة، بناءً على ورقة إعلان القاهرة في 17 أبريل/نيسان المقبل، وما يحمله هذا اليوم من ذكرى للسوريين.
لم يجمع مؤتمر القاهرة كل المعارضة السورية، لكنه وفق عدد كبير من القوى والشخصيات من الداخل والخارج على عشر نقاط أغضبت أطرافاً دولية مؤثرة، وحدت بها لعقد منتديات لتمويه معارضة الداخل، مثل “منتدى موسكو” أو مؤتمرات لإصدار أوراق جديدة كـ”مؤتمر إستوكهولم”، أو أن تقوم بضرب عملية القاهرة بأن تشتت شخصياتها وقواها بلقاء هنا أو هناك، كمثل لقاء باريس الخماسي اليوم بين شخصيات في الهيئة من جهة وشخصيات من الائتلاف من جهة أخرى.
عند كل حدث سياسي من هذا النوع كان الشرخ في هيئة التنسيق” يزداد، وتتصلب الآراء أكثر، لتدخل الهيئة بكوادرها وقياداتها في ضبابية بلغت أقصاها في القاهرة، عندما طرح تساؤل أهو توقيع لخريطة الطريق أم أنه مؤتمر لشخصيات وقوى معارضة كان للهيئة تمثيل في لجنة إعداده المشكّلة منذ أقل من سنة، ولتتضخم المسألة أكثر، بحيث لا تستطيع الهيئة أخذ موقف واضح من منتدى موسكو، ولتصدر بياناً يترك حرية المشاركة للمدعوين!

في موازاة ذلك، يعقد اليوم في العاصمة الفرنسية باريس لقاء خماسي بين شخصيات من الهيئة، فضلت الذهاب بصمت إلى اللقاء، وشخصيات من الائتلاف، تضم هشام مروة وعبد الأحد اسطيفو، وأحمد رمضان الذي يعتبر أن “هيئة التنسيق” هي معارضة من صنع النظام السوري، ليكون هذا اللقاء الثالث من نوعه، والذي كما جرت العادة أن يخرج بأوراق لن توقع ولا تصلح أن تكون ضماداً لجريح سوري، إلا إن ساعد المجتمعون الخارجية الفرنسية في وضع ثقلها لصالح ضرب مشروع تجميع المعارضة في القاهرة، والعودة خطوة للوراء، لصالح مشروع فرنسي يقضي بأن لا اتفاق للمعارضة السورية من دون تواجد لـ “الإخوان المسلمين” ولا مبادرة إلا من الائتلاف.

الأمر الذي يقضي ضرورة، وكما كان طلب السفير الفرنسي “فراك جيليه”، تغيير مكان اللقاء المقبل للمعارضة السورية، وإلغاء فكرة القاهرة، والتي تعتبر أكثر العواصم قبولاً، اقليمياً ودولياً، لما صنعته من توازنات سياسية، والدولة التي لم يكن لها أي دور سلبي في سورية ولم تكن طرفاً في النزاع القائم.
كيف لكتلة في “هيئةالتنسيق” أن تفضل باريس على دبي مكاناً للقاء، علماً أن باريس ضغطت لإلغاء مؤتمر للمعارضة أعدت له الهيئة في يناير/كانون الثاني العام 2013، واعتقلت أحد قياديي فرع المهجر، وألغت إقامة آخر لتقوم مؤخراً بإغلاق حساب مصرفي لأحد قياداتها بحجة أمنية.
في كلا السيناريوهين، فإن الوضع داخل “هيئة التنسيق” لا ينبئ بخير، فانقسام الهيئة على مشاريع سياسية (خريطة الطريق – القاهرة – باريس)، وانعكاساته التنظيمية، قد يفجر الهيئة ما لم يتم التدارك وعمل مراجعة سياسية داخلية لـ “هيئة التنسيق” وما تمثله من مشروع.

وبكل تأكيد قد يرمي بالنقاط العشر المتفق عليها في القاهرة عرض الحائط لصالح جماعة تحاربها هي نفسها في باريس وتدعمها في سورية.

هل تسلب باريس الراية من القاهرة وتقع “هيئة التنسيق” ضحية اللاتنسيق؟

صحف – وطن اف ام 

زر الذهاب إلى الأعلى