دولي

السياسية تتحكم بأسماء المواليد في اليمن ..”صالح”و”توكل”و “حسين” أبرزها

تتحكم السياسة في تحديد أسماء غالبية المواليد الجدد في اليمن. وفي بلد يتشظى ويتزايد فيه عدد الفرقاء السياسيين عاما بعد آخر، صارت أسماء المواليد “مسألة للتباري” بين هؤلاء الفرقاء.

ومنذ عام 2011، الذي شهد انتفاضة شعبية أطاحت بنظام الرئيس السابق، علي عبد الله صالح، تزايد الانقسام في تسمية المواليد على خلفية سياسية.

ففي حين استمر موالون لصالح في إطلاق اسم “علي” على مواليدهم كدليل على استمرار حبهم له، استعان الموالون للانتفاضة الشعبية بأسماء “شهدائها” وقادتها، فبرز اسم “توكل” بفضل فوز الناشطة الشابة في الانتفاضة توكل كرمان بجائزة نوبل للسلام عام 2011.

وبقوة، تتحكم الهوّية السياسية للآباء في تحديد أسماء مواليدهم، حيث يتجه اليساريون في الحزب الاشتراكي إلى تسمية مواليدهم بـ” فتّاح ” نسبة الى الزعيم الاشتراكي والرئيس الجنوبي عبد الفتاح إسماعيل، و”ياسين” نسبة الى أمين عام الحزب الحالي ياسين سعيد نعمان.

فيما يفضل الناصريون تسمية مواليدهم بـ”جمال” نسبة إلى الرئيس المصري الراحل، جمال عبد الناصر، و”إبراهيم” نسبة الى الرئيس اليمني الناصري الراحل إبراهيم الحمدي، و”عيسي ” و”عبد السلام”، نسبة إلى عيسى محمد سيف، وعبد السلام مقب، وهما من القيادات الناصرية التي انقلبت على الرئيس علي عبد الله صالح عام 1978.

ولا يقتصر التأثير السياسي على الأحداث المحلية فحسب، بل يمتد إلى الإقليمية، فبقوة، برز في اليمن اسم “صدام” عقب الحرب العراقية – الإيرانية (1980- 1989) والغزو الأنجلو أمريكي للعراق (2003)، وذلك رغم ندرة هذا الاسم في السابق.

فمن شدة الولع بالرئيس العراقي آنذاك صدام حسين، أطلق كثيرون ممن يحملون اسم “حسين” اسم “صدام ” على مواليدهم، لتشهد المدارس اليمنية والدوائر الحكومية أكثر من صدام حسين، طالبا وموظفا.

وبأسماء المواليد، أظهر يمنيون تضامنا مع الرئيس المصري الأسبق، محمد مرسي، الذي جرى الإطاحة به يوم 3 يوليو/ تموز 2013، وهو تضامن تزايد مع فض قوات الأمن بالقوة اعتصام أنصار لمرسي في ميداني “رابعة العدوية” و”نهضة مصر” يوم 14 أغسطس/ أب من العام نفسه؛ ما أسقط مئات القتلى، وفقا لحصلية رسمية. وعلى وقع هذا الفض، انتشر اسم “رابعة” بين المواليد الجدد في اليمن آنذاك.

بينما أطلق آباء آخرون اسم “السيسي” على مواليدهم، في إشارة إلى عبد الفتاح السيسي، الرئيس المصري الحالي، ووزير الدفاع حين الإطاحة بمرسي، المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين.

وهي ظاهرة يعلق عليها عبد الرقيب المحمدي، وهو موظف حكومي وأب لثلاثة أولاد، بقوله إن “اليمني تحكمه العاطفة في كل شيء، ولا يتردد في تخليد ما يعشقه بأعز ما يملكه، حتى وإن كان ذلك ولده الوحيد”.

وتابع المحمدي، في حديث مع وكالة الأناضول: “يحاول اليمني أن يظهر متخففاً من الأيدلوجيا في كثير من الاحيان لكنه غالبا ما يقع ويترك بصمة في أحد أفراد أسرته الصغيرة تكشف انتماء الأب السياسي.. أنا مثلا أطلقت اسم صدام على طفلي الأول، أعشق هذا الرجل، وأعتقد ان الزمن لن يأتي بشبيه له في أمتنا العربية”.

وإضافة الى الهوية السياسية، برزت في السنوات الأخيرة الهوية الدينية كأحد أبرز عوامل تسمية المواليد في اليمن.

فقد اتجه غالبية أتباع المذهب الزيدي ومناصرو جماعة أنصار الله (الحوثي) إلى تسمية مواليدهم بـ”حسين” نسبة الى مؤسس جماعة الحوثي “حسين بدر الدين الحوثي”، الذي قتلته قوات حكومية عام 2004، و”زيد” نسبة الى الإمام “زيد بن علي”، و “عبد الملك” نسبة الى الزعيم الحالي للجماعة “عبد الملك الحوثي”. فيما تتجه أسماء الفتيات إلى “فاطمة” نسبة الى السيدة فاطمة الزهراء و”زينب” و “أم البراء”.

وبحسب أستاذ علم النفس في جامعة تعز اليمنية (حكومية)، الدكتور عدنان القاضي، فإن “اختيار أسماء المواليد غالبا ما يكون ورائه دوافع نفسية متعددة على المستوى الشعوري و اللاشعوري والمتمثلة في دافع البحث عن التميز، والتي غالبا ما تكون وراء تعويضنا لمشاعر العجز والنقص اللاشعوري (الحقيقي أو المتوهم).. وفي الوقت نفسه تعبر عن إشباع دوافع رمزية لا شعورية ، اجتماعية أو سياسية أو أيديولوجية أو ثقافية، تميز الأسرة التي اختارت الاسم عن غيرها”.

ومضى القاضي قائلا، في حديث مع وكالة الأناضول، إنه “في الأسرة اليمنية تتعدد المعايير في تسمية المواليد، وأحيانا تكون مختارة نتيجة إفرازات التغيرات السياسية التي تلمع فيها بعض الشخصيات اعلامياً ومجتمعياً وتعطي إيحاءات نفسية بأن ذاك الشخص هو قائد التحول والتغيير المجتمعي، وأنه رمز للحرية والوقوف في وجه الظلم، ولهذا يتم اختيار اسمه كجزء من المكافأة لهذا الشخص وتخليدا له”.

كما أنه “في الوقت ذاته تعبر أسماء المواليد عن حاجاتنا النفسية اللاشعورية المتمثلة في حاجاتنا للقائد والتغيير والقوة التي تساعدنا على التخلص من إحباطاتنا والألم والقهر المجتمعي الذي نعيشه، كما تعبر عن حيلة لاشعورية، وهي التسامي على مشاعرنا وانفعالاتنا المكبوتة المؤلمة، وهذا ما حدث عند تسمية صدام، وناصر، وعبد الفتاح، وتوكل، وغيرها”.

وتابع الأكاديمي اليمني أنه “أحيانا يتم اختيار الاسم بحثا عن التميز والحنين اللاشعوري للماضي كما يعبر رمزياً بصورة لا شعورية عن الهوية والايدلوجية الفكرية والحضارة والرفض للوضع الحالي باعتباره يتناقض مع تاريخنا و هويتنا الثقافية، فتحضر أسماء صلاح الدين، ومسلم، وأنس، وسعد، ومحمد، وحمير، وغيرها”.

وكثيرا ما اتجه يمنيون إلى مواكبة أسماء مواليدهم مع تحولات اجتماعية وثقافية، حيث يتم الاقتداء بشخصيات شهيرة على الساحة الفنية والرياضية، فبرزت مثلا أسماء مثل : راغب (المطرب اللبناني راغب علامة)، وكاظم (المطرب العراقي كاظم الساهر)، ومهند (اسم شخصية درامية أداها الممثل التركي الشهير كيفانج تاتليتوغ)، ونور (اسم شخصية اشتهرت بها الممثلة التركية أدسونغول أودان)، وأصالة (مطربة سورية).

كما تحضر المناسبات في تسمية مواليد في اليمن، فهناك فتيات باسم “انتخاب” و “حكومة” و “ثورة”، وهناك أسماء مواليد مثل “شهيد، ثائر”.

ويرى ” محمد سعيد”، وهو طالب جامعي، في حديث مع الأناضول، أن اللحظة ما زالت تتحكم في أسماء المواليد في اليمن، فمن تولد في وقت الفجر يتم تسميتها “سحر” دون تردد، و من يولد خلال وقوف الحجاج على جبل عرفات يُسمى “عرفات” .

قسم الاخبار – وطن اف ام 

زر الذهاب إلى الأعلى