الرقةمقالات

خورشيد دلي – ما بعد معركة الرقة

مع تقدم قوات سورية الديمقراطية، بدعم أميركي، في أحياء مدينة الرقة لتحريرها من تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، تتجه الأنظار إلى سيناريوهات ما بعد تحرير المدينة، لا لأن الرقة هي عاصمة (دولة الخلافة) في سورية، بل لأن معركتها فاصلة لجهة التداعيات محلياً وإقليمياً ودولياً، إذ أنها سترسم خريطة جديدة لمناطق النفوذ للقوى المتصارعة على الخريطة السورية.

بعد نحو أسبوعين من بدء معركة الرقة، تثير وتيرتها أسئلةً كثيرة، ففي وقتٍ يقول المسؤولون الأميركيون إنها ستكون معركة صعبة وطويلة، تتحدث أوساطٌ محليةٌ عن احتمال أن تكون المعركة سريعة وقصيرة، ولاسيما في ظل الحديث عن احتمال تسليم “داعش” المدينة إلى قوات سورية الديمقراطية، إذا وجد طريقاً للخروج منها، ولعل هذا الأمر دفع الروس إلى الحديث عن اتفاق بين الجانبين، وسط خشيةٍ من أن يؤدي ذلك إلى توجه “داعش” من جديد نحو مدينة تدمر التي سيطر عليها التنظيم مرتين. ولعل هذا ما زاد من مخاوف النظام والروس والإيرانيين وحزب الله، ودفعهم إلى تنظيم حملات عسكرية نحو الحدود الإدارية للرقة من ناحية الغرب، وجنوباً نحو الحدود العراقية.

في الواقع، إذا كانت معركة الرقة ستكون النهاية الفعلية لتنظيم داعش، تزامناً مع التقدّم الجاري في معركة الموصل، فثمّة قناعة بأن تحرير الرقة سيؤدي إلى إقامة إقليم جغرافي واسع يضم، إضافة إلى الرقة، محافظة الحسكة ومناطق من محافظتي حلب وديرالزور تحت سيطرة قوات سورية الديمقراطية التي تشكل وحدات حماية الشعب الكردية عمادها، على شكل مناطق نفوذ بين الولايات المتحدة وحلفائها المحليين من جهة، وبين روسيا وحلفائها من جهة ثانية.

وفي جميع الأحوال، يوجّه هذا التطور الميداني الكبير الأنظار إلى تطلعات الكرد التي تتحقق على شكل انتصاراتٍ ميدانية على الأرض، ومطالبتهم بحكم فيدرالي، وهو ما يفتح الباب أمام سيناريوهات عديدة، لعل أهمها سيناريو الصدام بين الكرد والنظام، خصوصاً في ظل وصول قوات الأخير إلى الحدود الإدارية للرقة، وتقدمها من أكثر من محور، مدعوماً بالحلفاء الروس والإيرانيين وحزب الله، حيث من الواضح أن النظام بعد معركة حلب بدأ يوسع مناطق سيطرته تدريجياً.

وهناك سيناريو التوافق، حيث كان لافتاً، قبل فترة، حديث وزير الخارجية السوري، وليد المعلم، عن مشروعية محاربة الكرد “داعش”، وكذلك الحديث عن تقاطعاتٍ كثيرة بين الطرفين في أكثر من موقع وموقف، لكن الذي ينبغي قوله هنا إنه، في الحالتين، يعود قرار الصدام أو التفاهم إلى اللاعبين الروسي والأميركي. وإذا كان مستبعداً حدوث صدام أميركي – روسي بشكل مباشر، فإنه، حتى لو حصل مثل هذا الصدام، من خلال الحلفاء المحليين على الأرض، فإن هدفه سيكون تعزيز مواقع النفوذ وتثبيت أوراق القوة، ربما بحثاً عن أسسٍ جديدة للتسوية، في ظل عقم مفاوضات جنيف.

في الحديث عن تداعيات معركة الرقة، لا يمكن إغفال (أو تجاهل) دور تركيا ومخاوفها، فالثابت أنه ستكون لهذه المعركة تداعيات على الأمن القومي التركي، حيث تخشى أنقرة من أن تؤدي سيطرة الكرد عليها إلى ولادة إقليم له عمق جغرافي، مرتبط باستراتيجية حزب العمال الكردستاني. وربما يدفع هذا الأمر الكرد إلى التفكير أبعد من الرقة، خصوصاً في ظل التصريحات عن نيتهم التوجه إلى محافظة ادلب، بل والوصول إلى البحر المتوسط، لإيصال مناطق سيطرتهم بالبحر وتأمين ممر بحري لهم إلى الخارج. إذ ستكون تداعيات معركة الرقة استراتيجية بالنسبة لتركيا وسياستها تجاه الأزمة السورية. وعليه، يمكن القول إن الجهد التركي سينصب باتجاهين في المرحلة المقبلة.

الأول: العمل على خط واشنطن لضمان عدم بقاء مدينة الرقة تحت سيطرة الكرد بعد تحريرها، والعمل على انسحابهم نحو المناطق الكردية، أي شرقي الفرات، وهو مطلب تركي قديم – جديد. الثاني: الإبقاء على الخيار العسكري، وربما القيام بعملية عسكرية على غرار (درع الفرات) لمنع تقدم الكرد بعد الرقة، وتطلعهم إلى ربط مناطقهم من دجلة شرقاً إلى عفرين غرباً.

في جميع الأحوال، تبقى معركة الرقة فاصلة وحاسمة، إذ ستفتح نتائجها الباب أمام مرحلة جديدة من عمر الأزمة السورية.

المصدر : العربي الجديد 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى