دير الزورمقالات

أحمد أبو الجود – عام آخر على دير الزور المتروكة

في مطلع العام الجديد، تختلف ردود الأفعال، ويبقى للمرء عادةً ما يجعله ماضياً في هذه الحياة وقت السلم، إلا أن هذا لا ينطبق على أبناء مدينة دير الزور، المدينة السورية التي تقبع شرقاً، فوق كمٍّ هائلٍ من السواد والخذلان والدماء من شدة العذاب، فلا أحد يعبأ لمصابها، أو يسعى إلى تلبيتها، فلا حياة لمن تنادي.

دير الزور غدت مجرد تجربة مريرة، يُحذّر من تكرارها العقلاء، كأن تتذكر أفغانستان، وتعدل الناس عن أن تكون مدينتهم كذلك يوماً ما! ويتناسى الجميع، بقصد، أن لهذه المحافظة نصف كأسها المليء بالإيجابيات، ورصيد عالٍ من التضحيات والقرابين والتجارب، التي ضحت بها وعاشتها كما كل المحافظات السورية التي سعت إلى الحصول على كرامتها وحريتها بالورود وأغصان الزيتون في مطلع مارس/ آذار 2011، قبل أن يُكشّر الأسد طاغوتها الأول عن أنيابه بوجه الثوار، ويسحقهم كأي فرعون يخشى على ملكوته.

عام آخر يأفل على دير الزور اليوم، وهناك أمنيات كثيرة لم تجد طريقاً لها نحو التحقق، وثاراتٌ جمّة مع كل من قتلها وخذلها وتركها صلداً، فحيَّا الجورة والقصور القابعان تحت سيطرة نظام الأسد في المدينة يكتمل عام على جوع أبنائهم، ليكون عام 2015 الأسوأ في حياتهم، بسبب حصار الأسد وداعش لهم، إذ أنهم احتفلوا على طريقتهم، اليوم، بأن جعلوا من الأطعمة التي كانوا يحصلون عليها قبل الحصار صور لحساباتهم الشخصية على الواتس آب، نوعاً من الأمنية في هذا العام الجديد.

لا يقتصر وجع هذه المحافظة في حيي الجورة والقصور المُحاصَرَيْن فقط، بل يمتد إلى قسمها المحرر على أيدي الجيش الحر، قبل مجيء أعته مخلوقات الأرض، داعش، إليها وبسط احتلالها كأي عدوان غريب، وتغييرها اسم المحافظة، ونفي أبنائها، وجزّ الرؤوس، ورفع الرايات السوداء، لاسيما في العام الذي مضى، لتغدو بذلك دير الزور، اليوم، قندهار بحق، بعد أكثر من عام على جرائم داعش وتجاوزاتها بحق الدم والأخلاق فيها، ويكون بذلك العام الأثقل على أهالي الشرقية.

يمضي هذا العام على الدير، وما تزال آلة الجوع تحصد الأرواح البريئة كل يوم بلا هوادة، وسكين داعش ما تفتأ تشتهي رقاب أبناء الدير بلا حد شبع. أمَا وأننا الآن نشهد رحيل هذا العام، بلا أيّ أثر لما ينبئ بالخير في الأفق، سوى الأمل الساذج الذي ما زلنا نوهم أنفسنا بسريانه بيننا بين حين وآخر، ليبقى لنا الأمنيات التي نرجوها في العام المقبل، بأن تعود دير الزور لتكون من أراضي مشروع الثورة الذي نحلم، وبأن يعود أبناؤها الذين هجروها وهم مكسورو الخاطر، ليبنوها من جديد، ولا يبقى الفرات وحيداً، بلا من يرتمي بأحضانه، بغية الشكاية من كل شيء يؤرقه، كما اعتدنا، وهو ذلك.

المصدر : العربي الجديد 

زر الذهاب إلى الأعلى