نشرت «القدس العربي» في صفحتها الأولى أمس صورة جنديّ أمريكيّ يضع شعار «وحدات الحماية الكرديّة» (أو نسختها المنقّحة أمريكيّا «قوّات سوريا الديمقراطية»). ينظر الجنديّ الأمريكي الأشقر إلى الخلف بينما يتخفّى الجنود الأكراد (أو غير الأكراد؟) الباقون في أقنعة سوداء ويدير ثلاثة آخرون ظهورهم بحيث يصبح الجنديّ الأمريكيّ مركز الصورة ومعناها الحقيقيّ الذي لا خفاء فيه ولا قناع يستره.
الأخبار الواردة من شمال سوريا تتحدّث عن خطّة أمريكية لاستخدام قوّات حزب الاتحاد الديمقراطي لتحقيق انتصار سريع لإدارة الرئيس باراك أوباما يختتم فيها «إنجازاته» العالميّة، ويبدو أن التسّرع هذا لم يجعل من يسمّون بـ»المستشارين الأمريكيين» الموجودين في المنطقة ينخرطون مباشرة في القتال، بل إنهم ما عادوا مهتمّين بالخلط الذي قد ينشأ عن تخفيض وضعيّة جنود الدولة العظمى إلى مرتبة حزب مرتبط (إن لم نقل إنه تابع) بحزب أكبر (العمال الكردستاني التركي) تعتبره الدولة العظمى نفسها «إرهابيّاً» وينظم، مثله مثل تنظيم «الدولة الإسلامية» الذي تحاربه، عمليّات انتحاريّة يذهب ضحيّة لها عشرات المدنيين الأتراك.
استدعى هذا المشهد الغريب رد فعل سريعا من الحكومة التركيّة، فقال وزير خارجيتها مولود جاويش أوغلو أمس إنه «من غير المقبول لجنود أمريكيين أن يضعوا شعار الوحدات الكردية على ملابسهم»، وإنها «اذا لم تعتبر وحدات حماية الشعب الكردية السورية منظمة إرهابية فإنها تكيل بمكيالين»، وهو توصيف دقيق للوضع.
ويبدو أن تناقضات المشهد جعلت وزير الخارجية التركيّ يخرج عن أعراف التصريحات الرسميّة التي تميّز الدبلوماسيين فاقترح ساخراً أن يقوم الأمريكيون عندما يتوجّهون إلى المناطق الأخرى في سوريا بأن يضعوا «شعارات داعش والنصرة والقاعدة… وعندما يذهبون إلى أفريقيا فليضعوا شعار بوكو حرام» باعتبار أن كل هذه التنظيمات يجمعها سياق العمل الإرهابيّ والتشابهات مع «وحدات الحماية الكرديّة».
غير أن تبنّي شعارات «وحدات الحماية» والتماهي بها ليس إلا مظهراً من مظاهر التناقضات الأخرى الكبيرة التي تحيط بكلّ تفاصيل الخطط الأمريكية للحرب مع تنظيم «الدولة»، وهي تناقضات لا يمكن، على ما يبدو، إلا لمخططين أمريكيين أن يتجاهلوها، وقد لخّصها إعلاميون بسؤال الخارجية الأمريكية كيف يمكن أن تدعم قيام الأكراد بتحرير الرقة التي يقطنها العرب السنّة في سوريا ويقوم الشيعة بتحرير الفلوجة السنّية في العراق؟
الجواب الأمريكي كان بالقول إنهم يعملون على «تنويع العناصر المكوّنة لقوات سوريا الديمقراطية» بحيث يتم استقطاب المزيد من العرب السنّة، وهو تصريح يشبه حديث «طبّاخ» في مطعم عن «طبخة» تضاف إليها بعض البهارات لتحسين مذاقها، أو باحث يقوم بتجربة علميّة على فئران أكثر مما هو حديث شخص مدرك للمعادلات العسكرية والسياسية المعقّدة للوضعين السوريّ والعراقي.
هناك تعليق شهير يقول إن الأمريكيين يفعلون دائماً الشيء الصحيح وذلك بعد أن يكونوا قد جرّبوا كل الحلول الخطأ الأخرى، وإذا كان على العرب أن ينتظروا أن تنفد كل حلول أمريكا الخاطئة في المنطقة فربّما لن يبقى هناك عرب أصلاً.
حاليّا، يمكن أن يكون جلّ ما قد يسعدنا الحظّ به هو أن تتوقف الحفلة التنكّرية الأمريكية على الأرض العربية.
المصدر : القدس العربي