أخبار سورية

المدنيون هم الخاسر الأكبر في الصراع الروسي الأميركي على ديرالزور

يواجه سكان “دير الزور” شرق سوريا، جحيم القصف والمجازر والعوز والنزوح، تحت وطأة سباق محموم لانتزاع المحافظة، من قبضة تنظيم “الدولة الإسلامية”، يخوضه نظام بشار الأسد مدعوماً بقوات روسية، وميليشيات إيرانية من جهة، وميليشيات قوات “سوريا الديمقراطية” الولايات المتحدة من جهة ثانية.
ويدفع المدنيون كلفة إنسانية باهظة، وتعددت طرق موتهم بين القصف والجوع، فيما يعاني من تبقى من العيش بالعراء وفقدان أبسط مقومات الحياة الرئيسية.

أكثر من ألف غارة جويّة، وعدد كبير من البراميل المتفجّرة، وقنابل عنقودية وفسفورية، وصواريخ بالستية قال ناشطون بالمدينة إنها استهدفت دير الزور، في الأيام القليلة الماضية.

غارات خلّفت عدداً كبيراً من الشهداء في صفوف المدنيين، في حصيلة لم تتحدّد بعد، ومرشحّة للارتفاع نظراً لعدم إحصاء المفقودين الذين لا يزالون تحت الأنقاض حتى الآن.

“مجازر” بالجملة، وفق الناشطين الذين شبّهوا ما يحدث في دير الزور بـ “القيامة”، جراء تدهور الوضع الإنساني للمدنيين المحاصرين بالمدينة، والذين عجزوا عن العثور على طريق آمن أو إمكانيات مادية لمغادرتها.

وأصبح شبح الموت مطبقاً على كل شبر في دير الزور، ومن نجا من سكانها من الموت تحت القصف، من الصعب أن ينجو منه جراء الجوع أو المرض.

وتقلّص أمل الحياة أمام انعدام أبسط مقوّماتها، من ماء أو كهرباء أو طعام، وأضحت فرص النجاة معدومة حتى بالنسبة لأولئك المدنيين الذين فقدوا منازلهم جراء القصف، واضطروا للفرار بحثا عن مخبأ في البراري.

“حمم” تتساقط من السماء لتحصد معالم الحياة بالمدينة السورية، وتقطف أرواح المدنيين، ولا تترك لمن تبقى منهم على قيد الحياة من حل سوى إطلاق نداء استغاثة للعالم بأسره، من أجل تأمين ممرات يعبرون منها خارج المدن والقرى المحاصرة.

أنس فتيح، رئيس المجلس المحلي لمدينة دير الزور المعارض، قال إن الحملات العسكرية تستهدف، أساساً، الأحياء السكنية في جميع مدن وبلدات وقرى المحافظة، عبر مئاتِ الطلعات الجوية.

فتيح أضاف في تصريح لوكالة الأناضول أن الغارات “أسفرت عن وقوع أكثر من 25 مجزرة خلفت عدداً هائلاً من الضحايا بين شهداء ومصابين، بينهم عائلات بأكملها، إضافة إلى تدمير مساكن المدنيين بالكامل، واستهدافٍ البنى التحتية”.

ووفق فتيح، فإنه من “المستحيل توثيق الانتهاكات بشكل واقعي، في ظل تصفية داعش للصحفيين والحقوقيين، ما يجعلنا نتوقع أن الحصيلة الحقيقية أكبر مما ذكرنا بكثير”.

ولفت إلى أن وجود التنظيم يحول دون نقل صور تعرض حجم الكارثة من داخل المحافظة، وإيصال المعاناة المستمرة للمدنيين.

النزوح.. الوجه الآخر للمأساة
واعتبر فتيح أنه من البديهي أن يدفع الوضع المزري نحو عمليات نزوح ضخمة، وذلك رغم منع “تنظيم الدولة” السكان من مغادرة المحافظة، إلى جانب القصف المتكرر للمعابر المائية عبر نهر الفرات، والتي تمثّل إحدى المعابر القليلة للمحافظة.

وبانطلاق رحلات النزوح، تبدأ معاناة أخرى لسكان المحافظة، وفق فتيح الذي أشار إلى أن معظم النازحين يعانون من أوضاع إنسانيةٍ صعبة.

وتابع أن الذين استقروا في مناطق سيطرة الميليشيات الكردية يتم احتجازهم في “مخيمات الموت”، حيث يتعرّضون لانتهاكاتٍ وللابتزازٍ، فيما يواجه من يصل منهم إلى مناطق ريف حلب الشمالي وإدلب، تضييقات على الحواجز العسكرية.

ودعا فتيح، باسم المجلس المحلّي وغيره من الفعاليات والقوى المدنية الثورية، المجتمع الدولي إلى تحييد المدنيين في معارك تبادل السيطرة التي غالبا ما تجري بالمحافظة.

كما دعا أيضاً إلى “وقف التطهير والتهجير، وتحقيق استجابة عاجلة لتأمين الحد الأدنى من احتياجات النازحين من مأوى ومأكل وملبس”.

من جانبه، قدّر الصحفي سامر العاني، وهو من سكان دير الزور، عدد سكان المحافظة قبل نحو ست سنوات بنحو 1.6 مليون نسمة، قبل أن يتخذ الرقم منحى تنازليا بسبب حركات النزوح الناجمة عن القصف العشوائي للمدنيين، فضلاً عن سيطرة القوى المتطرفة على أجزاءٍ واسعةٍ من المحافظة”.

وخلص إلى أن عدد السكان تراجع إلى نحو 970 ألفاً حتى منتصف سبتمبر/ أيلول الماضي، عقب إطلاق الحملة العسكرية على دير الزور.

واستناداً إلى تقارير صادرة عن منظمات حقوقية، وبرامج دولية للحالات المشابهة، وشهادات على الأرض، أشار العاني أن عدد النازحين خارج المحافظة بلغ نحو 180 ألف شخصٍ.

بينما يقطن في المناطق المحاصرة من قبل “تنظيم الدولة”، والواقعة تحت سيطرة نظام الأسد، نحو 85 ألف شخص، ما يعني أنّ حوالي 700 ألفاً آخرين ما يزالون تحت القصف.

واعتبر العاني أنّ ما يجري في دير الزور “جريمةٌ موصوفةٌ ضد الإنسانية، وأنّ التحالف الدولي وروسيا وإيران ونظام الأسد، يتحمّلون المسؤولية الجنائية عن تلك المجازر التي تستهدف المدنيين”.

رحلة الهرب من الموت إلى الموت
أبو حميد، أحد الفارين من قرية حطلة، الواقعة في ريف دير الزور الشرقي، روى رحلة نزوحه من قريته المليئة بالمخاطر والإذلال، على حد تعبيره.

وقال: “خرجتُ منذُ أيام من منزلي في حطلة، متجهاً مع عائلتي المكونة من 10 أفراد، معظمهم أطفال، إلى محافظة الحسكة، أملاً في الحصول على ملجأ آمن”.

“غير أن ما اكتشفته”، يضيف، “كان أكثر مهانة مما كنت عليه، خصوصا أنّ المكان الذي نزحتُ إليه يخضع لسيطرةِ منظمة الميليشيات الكردية”.

وبعودته لتفاصيل رحلته، قال إنه اضطر وعائلته لقطع “طريقٍ طويلة ومحفوفة بمخاطر القصف من الأعلى، والألغام المزروعة أرضا، علاوة على جشع المهرّب الذي تقاضى مني مبلغا كبيراً”.

و”بوصولنا أخيراً إلى محافظة الحسكة”، يتابع، “استوقفنا، على مشارفها، حاجز لعناصر (ب ي د)، ومنعونا من دخول المدينة، قبل أن يجبرنا على الدخول إلى مخيّم زجّوا فيه جميع من وصل قبلنا من أبناء محافظتنا”.

وبين دخول المخيم أو العودة إلى دير الزور، اختار أبو حميد “أحلى الأمرّين” كما يقول، وهو “دخول معتقلٍ كبيرٍ لا يصلح حتى مكانا للبهائم، غير أنّ الميليشيات الإرهابية ترى فيه مصيراً يليقُ بأهالي دير الزور المشردين”.

وأردف: “دخلنا المخيم، لنجد نازحين يفترشون الأرض ويتلحفون السماء، إذ لا خيام لمن وصل متأخرا، والموجودة منها تضم كل واحدة منها عائلتين أو ثلاث عائلات ممن وصلوا قبلنا”.

“لم نجد فراشا ولا أغطية ولا حتى ماءٍ للشرب”، يقول، “فيما يغيب الغذاء والدواء نهائياً عن المكان، بالإضافة لافتقاره لدورات مياهٍ لجميع هؤلاء الناس”.

ومضى يقول: “اتخذنا زاوية لنا على الأرض، انزوينا فيها للاستراحة من عناء رحلتنا، قبل أن نبدأ اتصالات هاتفية مع عدد من أقاربنا النازحين داخل الحسكة، للاستعانة بكفلاء أكراد لإخراجنا من المخيم”.

مفاوضات قال إنها استمرت لنحو أسبوع، “رأينا خلالها كل ما لا يمتُ للإنسانية بصلةٍ، قبل نهاية مفاوضات ابتزازية مع ميليشيات إرهابية طلبت منا مليون و250 ألف ليرة (ما يعادل نحو 2500 دولار)، مقابل دخولنا الحسكة على دفعتين، يفصل بينهما يومان”.

الأناضول – وطن اف ام

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى