لايمكن لأب أو أم أو حتى لزوجة أن يغمض لأحدهم جفن ومن يحبون معتقل في أحد أفرع نظام الأسد الأمنية، حتى وإن كان مكان اعتقاله معروف، فكيف يكون الحال بالنسبة لعائلة لاتعلم أي شيء عن معتقل لها مغيب في سجون النظام، الأمر الذي يؤدي غالباً إلى مشاكل صحية ونفسية واجتماعية، بدأت تظهر تبعاتها بشكل متزايد، الامر الذي يستدعي تدخلاً جدياً من أجل السيطرة عليه.
لا يكف “أبو أحمد” عن حمل هاتفه النقال والتواصل مع أصدقاء ابنه المغيب في معتقلات الأمن، فقد اعتاد الاتصال بهؤلاء الشباب وسماع أصواتهم التي يجد فيها أثراً من صوت ولده المختفي منذ سنوات، إذ لا يمكن أن يمر وقت طويل دون الإتصال بصديق مقرب من ابنه، والبكاء خلال الحديث معه وكأنه يكلم ولده الذي يجاهد من أجل أن تظل ذكراه حاضرة.
اعتقل “أحمد” مطلع عام “2013” بعد سيطرة قوات النظام على بلدته بريف حلب الشرقي، وحتى يومنا هذا لايملك ذووه أي معلومات عن مكان اعتقاله، على الرغم من محاولات والده الحثيثة ودفعه مبالغ طائلة لعناصر وضباط في أفرع النظام، عله يجد ضالته بمعلومة تسكت أنين قلبه وقلب والدته التي أصيبت بأمراض مزمنة، نتيجة حزنها على ابنها المعتقل، كما أخبرنا “أبو أحمد” خلال حديثه.
ذوو المعتقلين يعيشون ألم المعتقل وأكثر
تعتبر قضية المعتقلين المغيبين في سجون الأسد، أحد أهم القضايا التي يطالب الجميع بإيجاد حل لها كشرط أساسي للثورة في أي مفاوضات سياسية، ورغم ذلك تعد حالة ذوي المعتقل النفسية والجسدية بعيدة عن المتابعة، رغم أنها تعتبر سبباً أساسياً في الكثير من المشاكل الصحية وحتى المجتمعية التي يعاني منها السوريون، كما يقول “أحمد محمد” عضو المعهد السوري للعدالة والتوثيق.
ويضيف المحمد: نعايش قصص كثيرة لأسر تفككت بعد غياب المعيل، بين زوجة غير قادرة على إعالة أبنائها، وأطفال تحولوا إلى مشردين نتيجة غياب الأب .. وبين هذه القصص تعيش الأسر، وخاصة الزوجات جحيم انتظار خبر يتعلق بأزواجهن المعتقلين في سجون النظام، حتى وصلت الحال بالكثيرين للمطالبة فقط بمعرفة إن كان الزوج المعتقل أو المفقود على قيد الحياة أم لا.
ويتابع: تعيش الأم أو الأب أيام طويلة بلا نوم بعد اعتقال ابنهما، ويتعرضان للإصابة بأمراض عصبية وقلبية وأمراض مزمنة أخرى نتيجة الحزن على واقع ابنهما المعتقل، الذي لا يعلمان عنه أي شيء يمكن ان يساهم في التخفيف من معاناتهما، بالإضافة إلى أن أي خبر يخص تصفية او وفاة معتقلين في سجون الأسد، يجعل أيام العائلة مأساوية، وخاصة الوالدان بطبيعة الحال.
ندوات تخص ذوي المعتقلين المغيبين في سجون نظام الأسد ومعتقلاته
وفي سبيل مساعدة ذوي المعتقلين على مواجهة الحالات النفسية والضغوطات المجتمعية التي يتعرضون لها، وتعريف المجتمع بالآثار النفسية والصحية التي يعايشونها، أقام المعهد السوري للعدالة والتوثيق بريف حلب الغربي ومدينة ادلب، ندوات ومحاضرات تخص ذوي المعتقلين المغيبين في سجون نظام الأسد.
تأتي هذه الندوات، التي أقيمت استكمالاً لمحاضرات قدمها المعهد السوري في مدينة حلب، لتعريف المجتمع بالوضع القانوني لمرتكبي جريمة الاعتقال والتغييب القسري أولاً، وبالوضع القانوني للمغيبين في سجون النظام السوري، والأحكام التي تخص أوضاعهم تبعاً للمادة السابعة من قانون محكمة الجنايات الدولية ثانياً.
وبالإضافة إلى ذلك، فإنه من الممكن محاسبة مرتكبي جرائم الاعتقال والاخفاء القسري حتى القانون السوري المنصوص عليه حالياً، إذ ينص الدستور الحالي في مادته “308” على حرية الفرد وتجريم اعتقاله تعسفاً وتغييبه، كما يقول المحامي “زكريا أمينو” أحد المشرفين على الندوات المقامة في ريف حلب الغربي ومدينة ادلب.
ويضيف أمينو: حاولنا من خلال الندوات تسليط الضوء على أوضاع ذوي المعتقلين والآثار النفسية والاجتماعية التي يعاني منها كل من الوالدين أو الأولاد أو والزوجة والزوج، وهي من الأمور المغيبة عن الوعي الاجتماعي، كما أننا ركزنا من خلال الدورة على تقديم بعض الحلول للمشاكل التي يعاني منها ذوو المعتقل، وطرح عدد من المشاريع الحقوقية والنفسية التي من شأنها مساعدة الأهل على تجاوز المحنة التي يعايشونها.
وبحسب تقارير صادرة عن عدة جهات حقوقية دولية وأخرى محلية، فقد بلغ عدد المعتقلين في سجون الأسد أكثر من سبعين ألف معتقل، بينهم أكثر من خمسة وستين ألف مدني، بالإضافة إلى أكثر من ألفي معتقل مغيب داخل سجون القوى الموجودة على الأراضي السورية.
4
منصور حسين – وطن اف ام