مع توالي أعوام الانتفاضة السورية بوجه نظام الحكم في البلاد، أثبت الأفعال والأحداث انه لا توجد طائفة في سوريا وقفت موقفا واحدا بشتى أطيافها وفي اتجاه واحد، ولكن بعض الأقليات في سوريا اتخذت موقف الحياد تجاه ما تشهده الساحة السورية من تطورات متسارعة، ولكن دوام الحال من المحال، فلم تعد النســـبة العظمى ممن اتخذوا موقف الحياد كذلك، بل أصبحوا شركاء في القتل والسلب والاختطاف، وكلك ذلك تحت راية الدفاع عن الوطن والقائد.
ومن هذه التقلبات، ما شهده السواد الأعظم من مسيحي دمشق، فلم ينجحوا في الصمود كثيراً أمام موقف الحياد، ولعل سياسات النظام السوري في هذا المحور كان لها الأثر الكبير والعامل الأهم في توريطهم بادئ الأمر، ليتحول قسم كبير منهم إلى جزء لا يتجزأ من هيكلية ميليشيات «الدفاع الوطني، واللجان الشعبية» المعروفتين بانتمائهما الطائفي للطائفة التي ينحدر منها الأسد الأب والأبن.
بدأت أفعال الميليشيات المسيحية المسلحة منذُ عام 2012 خلال معارك القلمون بريف دمشق، بحسب ما أكده الناشط الإعلامي محمد القاسم ، وقال ان تلك الميليشيات منعت السورين الهاربين من جحيم معارك القلمون بدخول بلدة صيدنايا، ومن ثم تطورت الأحداث عندما قامت ذات الميليشيات بقصف مدن وبلدات في القلمون من أماكن تمركزها في صيدنايا، وذلك عند اشتداد وتيرة المعارك في القلمون بين المعارضة السورية و«حزب الله» آنذاك.
وأضاف، وبعد دخول القلمون في ريف دمشق سادت حالة من الهدوء لفترة عدة أشهر، بدأت الميليشيات المسيحية المسلحة في الظهور تدريجيا في قلب العاصمة السورية دمشق، حيث اتخذت من مناطق وأحياء مثل «باب توما، باب شرقي، القصاع» مراكز انطلاق وتجمع لها، حتى منحها النظام السوري الدعم العسكري والمادي، لتتحول إلى لجان شعبية ذات سلطة وسلطان، لترتكب العديد من الانتهاكات تحت مسمى حماية الوطن، والدفاع عن قائد الممانعة والمقاومة بحسب ما تراه تلك الميليشيات.
وأردف وبشكل تدريجي تطورت تلك الميليشيات وتحولت إلى عصابات سرقة ونهب تعدت على أطياف الشعب السوري من كل الطوائف، حتى ان ممارساتها طالت أبناء طائفتها الرافضين لسياسة تلك المجموعات المسلحة، كما طالت في حالات متعددة الموالين للنظام السوري، وفي المقابل ظهرت نسب مخالفة تماماً لتلك الميليشيات وقفت إلى جانب الثورة السورية، وناصرتها في العديد من القضايا، كوقفة راهبات معلولا بجانب المعارضة السورية، وحتى إلى جانب «جبهة النصرة» أثناء عملية التبادل آنذاك.
في حين أكد تجمع «شرق دمشق» ان المعارك الأخيرة كشفت اللثام عن عشرات القتلى من الميليشيات المسيحية المسلحة قضوا على أيدي المعارضة السورية في العديد من المدن خلال المواجهات العسكرية والمعارك، كما كثرت خلال الأشهر الماضية ظواهر انتشارها في قلب العاصمة ضمن المناطق الراقية والحيوية، كما وثق ناشطون عشرات الحالات من التحرش بالنساء في دمشق القديمة، إلى حوادث السرقة والنهب بقوة السلاح والسلطة.
كما انتشرت حالات كبيرة من الانفلات اللاأخلاقي وتفشي الفساد والسرقات في مناطق سيطرة اللجان الشعبية التابعة للطائفة المسيحية والشيعية في شرق دمشق، حيث قامت اللجان الشعبية المسيحية قبل أمس، بسرقة ستة أجهزة خليوية من أبناء سنة العاصمة، بعد التعدي عليهم بالضرب المبرح في منطقة القصاع من دون سبب يذكر.
رغم انه في المجمل ليس كل أبناء الطائفة المسيحية موافقين على تصرفات تلك الميليشيات، إلا ان صوت الأقلية الرافضة لهذه التصرفات يكاد لا يسمع في ظل سيادة سلطة السلاح، والفلتان الأمني، لتجعل هذه المجموعات المسلحة موقف الحياد غير ظاهر، بل انها سبقت الميليشيات المسلحة من الطائفة العلوية انتهاكاتها ضد السوريين، الذي يرونه دفاعاً عن أرض الوطن المقدسة ضد المؤامرة الكونية التي تحاك ضد بشار الأسد ونظام حكمه في البلاد.
المصدر : القدس العربي