رغم أن ظاهرة تزويج الفتيات المبكر ليست بجديدة على المجتمع السوري بشكل خاص، والعربي بشكل عام، إلا أنه وكعادة الحروب أينما حلت، فإنها تستوجب دفع الكثير من الضرائب، هذه الضرائب قد يتكفل الأطفال والنساء بالجزء الأكبر من دفعها، على اعتبار أنهم الحلقة الأضعف.
«بناتنا في أعناقنا..أمانة»، تحت هذا الشعار أطلق مجلس «ثوار حلب» حملة توعوية في أحياء المدينة الخاضعة لسيطرة المعارضة، للحد من تفاقم ظاهرة تزويج الفتيات المبكر، ويأمل القائمون على هذه الحملة أن تلقى أصداء إيجابية لدى الأهالي، الذين أرغمتهم ظروف الحرب على ذلك، كما يقول القائمون على الحملة.
وكشف أحد مطلقي الحملة يدعى أبو محيو الكردي رئيس مجلس ثوار حي صلاح الدين، عن الفعاليات التي سوف تتخذها الحملة بالقول: من المقرر أن نبدأ بالعمل على توزيع المناشير التوعوية التي تبين الآثار لهذه الظاهرة، ومن ثم العمل وبالتعاون مع مرشدات نفسيات وطبيبات نسائية على عقد ندوات للنساء تبين مفرزات هذه الظاهرة على الفتاة والعائلة، بالإضافة إلى موضوع تقديم العون المادي للأسر الفقيرة، وخصوصا الأسر التي تضطر لتزويج بناتها بسبب سوء الوضع الاقتصادي.
وأضاف الكردي في حديث مع صحيفة القدس العربي : «الكثير من الأمهات يفضلن تزويج بناتهن هربا من الضغوط الاقتصادية والاجتماعية، وسيما الأمهات اللواتي فقدن أزواجهن، وبهذا فنحن أمام ظاهرة متفشية في المجتمع الحلبي حاليا، قد ينتج عنها فشل اجتماعي مستقبلي أكثر».
فيما طالبت ياسمينا بنشي، الصحافية والحقوقية السورية التي تعنى بشؤون المرأة، بمعاقبة من يقوم بتزويج ابنته في سن مبكرة، معتبرة أن هذه الظاهرة متاجرة بمعاناة الأسر السورية، وأضافت: «النتائج الأكيدة التي سيجنيها المجتمع السوري من انتشار هذه الآفة السلبية بالمطلق، وأول نتائجها سيكون انتشار حالات الطلاق».
وعند الحديث عن أسباب انتشار هذه الظاهرة، حملت بنشي الوضع الأمني والاقتصادي الذي تعايشه عموم الأسر السورية في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، المسؤولية الكاملة وراء اضطرار الأهالي لتزويج بناتهم الصغيرات.
الأمر نفسه ينسحب على (ن ج)، وهي الأم التي زوجت ابنتها التي لم تتجاوز الـ13 من عمرها، بعد أن قتل زوجها، وفقدت معيل أسرتها، تقول مبينة ظروفها : «بعد استشهاد زوجي صرنا بحاجة إلى معيل، أكبر أطفالي الذكور لم يتجاوز السابعة من عمره، ولهذا كان لابد من تزويج ابنتي لقريبها الذي تقدم لخطبتها، بعد اشتراطي عليه أن يقيم معنا في منزلنا».
وتدافع (ن ج) عن تزويج ابنتها على الرغم من صغر سنها بالقول: «حين تزوجت كنت في 14 من العمر، ومع ذلك فقد أنجبت أطفالا، واستطعت أن أربيهم أيضا، نحن بحاجة إلى رجل يشرف على حمايتنا، وإعالتنا وابنتي وافقت على هذه الخطوة».
الشـيخ مضـر رضـوان رئيس القضاء الشرعي في حـلب، بعـد أن أكد عـدم معارضـة الديـن الاسـلامي لـزواج الفتاة في حـال وصـولها سـن الـبلوغ، شـدد على أن السـن ليس المعيـار الوحيـد فقـط أيضـا، وأوضـح قد تـصل الفتـاة لسن العشرين وهي غير مؤهلة أن تصبح زوجة، لأنها لم تتلق التربية الصحيحة.
وقـال : «النضج الجسدي يقابله نضج عقلي، والأهل هم الوحيدون القـادرون على تحديد النضج العقلي، الذي يؤهل الفتاة للزواج، والذي يتأتى عبر تربية الأم لبناتها، تربية صالحة تؤهلهن لأن يكن زوجات قادرات على تدبير منزلهن الزوجي».
وبالرغم من أن الأمم المتحدة عرفت في مواثيقها الدولية الطفـل بـأنـه كــل شـخص تحـت عـمـر الثامنــة عشــر، إلا أن الحرب الـدائـرة في البـلاد نحـت كل القـوانين الدولية جانبـا، وفرضــت مكانـها القانـون الخـاص في الـبلاد.
المصدر : القدس العربي