أخبار سورية

الأسد و البغدادي يتناوبان على تدمير حضارة سوريا .. متحف معرة النعمان أنموذجاً

“يبهرك المكان ، يحلق بك ويخطفك خارج الزمان ، فلا تدري أأنت في عصر سومر أم كلدان ، أم في عصر الإغريق والرومان ، تتأمل لوحات الفسيفساء الفريدة النفيسة في العالم كله ، فتعجب من براعة الإنسان ، ولا تملك سوى أن يغمرك الفرح الفني بالإبداع ، وزيارتك لمتحف معرة النعمان ستكون فريدة في حياتك ، فلست أعرف في العالم كله متحفاً للفسيفساء يضاهي متحف المعرة ، وبناء المتحف ذاته تحفة معمارية رائعة ، فقد بناه مراد جلبي أمين الخزائن السلطانية نهاية القرن السادس عشر ، وكان واحداً من أهم الخانات على الطريق بين دمشق و حلب ” .

بهذه الكلمات التي تطوف بك في باحات هذا الصرح الحضاري الكبير ، وصف وزير الثقافة الأسبق في الحكومة السورية الدكتور رياض نعسان آغا على صفحته الشخصية في موقع التواصل الإجتماعي )فيس بوك ( متحف معرة النغمان الوطني الذي يعد كثاني أهم متحف فسيفساء في العالم ، والذي تعرض أول أمس لقصف بالبراميل المتفجرة نفذته مروحيات نظام الأسد أدى إلى تدمير كبير في هيكله و محتوياته .

أجزاء كبيرة من متحف المعرة، أو كما يعرف بـ (خان مراد باشا) باتت أثرا بعد عين بعد الاستهداف؛ حيث كان يحوي المتحف أهم اللقى الأثرية، من لوحات فسيفسائية (موزاييك) تكاد تنطق من روعتها والتي أسكتتها براميل الأسد، تتجلى في هذه اللوحات قدرة الفنان السوري القديم على محاكاة الطبيعة وتجسيدها فناً ، حيث بلغت مساحة هذه اللوحات 1600 متر مربع معروضة في أروقة المتحف، بالإضافة إلى حوالي 400 متر مربع محفوظة داخل مستودعات المتحف والتي لم تعرض بعد، و لكل لوحة قصة أو أسطورة، ومن أهمها لوحة ( فركيا ) تحمل اسم القرية التي وجدت فيها ، وتحكي اللوحة قصة تأسيس روما، ففيها الأخوان روميو وروميلوس والذئبة التي ترضع الطفلين، و لوحة (هرقل) التي تعود إلى القرن الثاني الميلادي، وهي تحكي قصة تأسيس الإمبراطورية اليونانية وقصة (زيوس) التي تبدو في اللوحة مسلسلاً مصوراً من سبعة أجزاء تحكي سيرة الإمبراطور، وتعود هذه الأسطورة إلى القرن التاسع قبل الميلاد، رُسمت في مطلع القرن العاشر الميلادي، كما يحوي متحف المعرة عدداً من التماثيل، و اللقى النقدية، وواجهات القصور ومدافن الملوك الأثرية، تعود لمختلف الحقب الزمنية من بيزنطية و رومانية وغيرها من الحقب التي تعود للألفية الثالثة قبل الميلاد .

يقول عماد كركص، أحد نشطاء معرة النعمان : “إجرام الأسد لم يتوقف عند البشر وحسب بل طال الشجر و الحجر ولا سيما الحضارة . ليس هذا الاستهداف الأول لمتحف معرة النعمان فقد أُستهدف منذ دخول الجيش الى المدينة في الثامن من تموز عام 2011 عن طريق نهب محتوياته على فترات متقطعة حين اُحتل المتحف وجُعل ثُكنة عسكرية من قبل قوات الأسد لمدة عام كامل وبعد أن استطاع الجيش الحر دحر قوات النظام منه في معركة المتحف الشهيرة عاد نظام الأسد أيضاٌ ليستهدف المتحف عن طريق القذائف المدفعية من معسكري وادي الضيف والحامدية ، وبعد تحرير المدينة بالكامل في نهاية 2012 ، تعرض المتحف كغيره من الأماكن الأثرية و المنازل السكنية والبنى التحتية في المدينة الى قصف بوابل من البراميل والصواريخ الفراغية التي ألقتها طائرات الأسد”.

وأضاف كركص : “رغم ذلك لم يمل نشطاء المدينة من إعادة تأهيل المتحف لمرات عدة فقد وضعت كتيبة أمنية تابعة للجيش الحر لحراسته من العابثين والصوص حالت هذه الكتيبة دون حدوث أي سرقة أو عبث لكنها لم تستطع حماية محتويات المتحف من القصف و لا حماية حتى أفرادها، حيث تعرض العديد منهم لإصابات داخل المتحف وهم يقوم بواجبهم في حمايته كما حدث في الإستهداف الأخير الذي يعد الأكثر تدميراً للمتحف منذ استهدافه الأول في منتصف عام 2011 وحتى اليوم” .

مراسل ( وطن اف ام ) في ادلب، زار متحف معرة النعمان بعد استهدافه و أكد على أنه قد دمر بشكل شبه كامل، و أكد تدمير المسجد الذي يتوسط باحة المتحف وهو أيقونة بفن العمارة الاسلامية .

وتابع : ” إن الدمار طال أيضاً معظم أجنحة المتحف حيث نال القصف بالعديد من اللوحات واللقى الأثرية داخلها .”

يشار إلى أن معرة النعمان تتعرض منذ أكثر من شهرين لحملة شرسة من قبل مروحيات ومقاتلات النظام التي تستهدف المدينة يوميا وعلى مدار الأربع وعشرين ساعة بوابل من البراميل المتفجرة والصواريخ الفراغية و مؤخرا الألغام البحرية، ما أدى لمضاعفة حجم القتل والدمار داخل المدينة ، وشهدت المدينة حركة نزوح مكثفة في الفترة الأخيرة نظراً لشدة القصف .

و يذكر أن معرة النعمان تعد من أهم المدن الأثرية في الشمال السوري، نظراً لتوسطها بين ثلاثة ممالك تاريخية ( ماري – أوغاريت – إيبلا ) وتحتوي المدينة إضافة للمتحف، المسجد العمري الكبير الذي كان معبداً ثم تحول لكنيسة ومن ثم إلى مسجد بعد أن فتح المدينة للمسلمين الصحابي الجليل ( أبو عبيدة بن الجراح ) في عهد الخليفة عمر بن الخطاب، وتضم المدينة أيضاً القلعة البيزنطية وضريح أبي العلاء المعري وغيرهم من الأماكن الأثرية التي كانت مقصداً للسياح ومهتمي الآثار في العالم، وكل تلك الأماكن الأثرية تعرضت للقصف والدمار بعد أن قرر أهالي المعرة – كغيرهم من السوريين – أن لا بقاء لنظام الأسد في بلادهم ، ما دفع الأخير للإنتقام من المدينة وأهلها وحضارتها بالقصف والدمار منذ خمسة أعوام ، ولا يزال ..

{gallery}news/2015/6/17/66{/gallery}

وطن اف ام – راسم غريب

عدسة : محمد البكور

زر الذهاب إلى الأعلى