تطورات ميدانية متعددة الأقطاب والجهات والتوجهات تعيشها الغوطة الشرقية في ريف دمشق، تنذر بسيناريوهات متعددة في الغوطة خلال الفترة القليلة المقبلة، ومن أهم تلك التطورات ما يشهدها الشقان العسكري واللوجستي، واللذان أبرزا حالة من تنامي ظاهرة التكتلات العسكرية والتقارب بين كتائب المعارضة فيها على شكل ثنائيات، كلاٌ بحسب تطابق مصالحه والأهداف التي ينشدها في المدى المنظور، ومن جهة أخرى، اقتراب المواجهات العسكرية بين جيش الإسلام وجبهة النصرة فيها، بمعركة تبدو انها ستكون مصيرية لكلا الطرفين.
ومن التغيرات التي طرأت على الغوطة الشرقية، هو ذاك التقارب العسكري والسياسي بين الاتحاد الإسلامي لـ أجناد الشام، وفيلق الرحمن، وتخريج دورات عسكرية تدريبية مشتركة بينهما، في حالة هي الأولى من نوعها في الغوطة، والتي تحمل في طياتها رسائل في عدة اتجاهات، وخاصة انها جاءت عقب تراجع الاتحاد الإسلامي في الغوطة ودنوه من حافة الانهيار بعد انسحاب تشكيلات تابعة للمعارضة السورية منه، إلا ان قيادة الاتحاد الإسلامي نجحت بداية في رأب الصدع ونجاحها في تجاوز حالة الانهيار بعد ان قامت بعملية دمج تشكيل فجر الأمة المعروف بقوته في الأنفاق تحت راية الاتحاد.
كما ان فجر الأمة يعد خصما لـجيش الإسلام، واندماجه تحت راية الاتحاد الإسلامي، أكسبه ورقة قوة ضد جيش الإسلام، على اعتبار ان الاتحاد الإسلامي هو نائب القيادة العسكرية الموحدة في الغوطة، وبالتالي فإن اندماجه تحت راية الاتحاد، سيكون قد احتمى من جيش الإسلام بالمظلة العسكرية التي يرأسها زهران علوش، وينوب فيها قائد الاتحاد الإسلامي لـ أجناد الشام.
عملية اندماج فجر الأمة تحت راية الاتحاد الإسلامي، أغلقت الأبواب أمام جيش الإسلام لمحاربة تنظيم فجر الأمة، كما حصل مع جيش الأمة سابقا، والذي أنهى جيش الإسلام تواجده في الغوطة ضمن الحرب على المفسدين، كما ان الاندماج أعطى الاتحاد الإسلامي روحا جديدة جعلته يتنفس الصعداء، رغم ان فجر الأمة لا يتجاوز تعداد عناصره الألف مقاتل، ولكن قوته تكمن في الأنفاق المحفورة تحت الأرض، والتي تعد خطوطا تجارية تدر على فجر الأمة مبالغ مالية هائلة، كما انه يتهم من عدة مصادر بأنه يتاجر بقوت المحاصرين، وآراء أخرى ترى أنه رغم كل أفعاله، إلا أنه له الفضل الأكبر في تأمين حاجيات المحاصرين، بسبب امتلاكه لنفقين أو ثلاثة أنفاق.
كما ان الاتحاد الإسلامي لـ أجناد الشام والذي يقوده أبو محمد الفاتح، عمل على تشكيل ثنائية جديدة بينه وبين فيلق الرحمن في الغوطة الشرقية، من خلال الدورات القتالية المشتركة، هذه الثنائية بدت واضحة ان أطرها خارج القيادة الموحدة، وربما الأصح قوله، انها تمت بعيدا عن جيش الإسلام وقيادته، وان هذا التقارب سيكون من شأنه توسيع الرقعة الجغرافية للأطراف الثلاثة الاتحاد الإسلامي، فجر الأمة، وفيلق الرحمن حيث أن الأول قوته الضاربة في مدينة دوما، وفجر الأمة ينشط في حرستا، بينما تكمن قوة فيلق الرحمن الأكبر في مدينة زملكا، وكل هذه التطورات لوحظ أنها تمت بعيدا عن زهران علوش وترسم تكتلا جديدا في الغوطة لا يكون جيش الإسلام أحد أطرافه.
ويقول مصدر من الغوطة الشرقية رفض الكشف عن اسمه بسبب حساسية الموقف أن غالبية التشكيلات العسكرية في الغوطة الشرقية، باتت ترغب بإزاحة زهران علوش عن قيادة الغوطة من ضمنها التشكيلات التي ورد ذكرها فيما سبق، مؤكدا أن السبب في ذلك يعود لاستفراد زهران علوش بالقرارات لوحده، والأهم من ذلك الاختلاف الكبير في التوجهات الدينية بين السلفية والإخوان، وأن هذه العداوة الدينية بدأت بالظهور بشكل كبير، رغم أنها ليست بعداوة جديدة، ولكن الأحداث الأخيرة أبرزتها بوضوح، حيث أن جيش الإسلام لن يقبل بأن يشاركه أحد في القرارات، حيث يعتبر بقية الفصائل ضعيفة، وأنها ليست على المنهاج الصحيح، وخاصة التشكيلات المحسوبة على الإخوان المسلمين.
وأردف المصدر ولكن كل هذه التطورات لا تنذر بمواجهات عسكرية في الفترة الحالية على الأقل بين الاتحاد الإسلامي وفيلق الرحمن من جهة، وما بين جيش الإسلام من جهة أخرى، ولكنها تتهيأ لما هو قادم، وخاصة مع حالة الهدوء ما قبل العاصفة الذي تعيشه الغوطة الشرقية ما بين جيش الإسلام وجبهة النصرة، وإمكانية اندلاع المواجهات بينهما في أي لحظة، وان الثنائيات المشكلة تأخذ بعين الاعتبار ما سينجم عن المواجهات بين جيش الإسلام والنصرة.
جيش الإسلام يعتزم إزاحة جبهة النصرة عن المشهد في الغوطة الشرقية حيث عدم التوافق والاختلاف في التوجه الديني، هو أهم عامل عدائي بين جيش الإسلام وجبهة النصرة في الغوطة الشرقية، إذ أساس المشكلة بين الجانبين وعدم التوافق، أن جيش الإسلام يُصنف جبهة النصرة على أنهم من سلالة الخوارج بفكرهم الذي يتبعونه، وهذا الاختلاف جعل جيش الإسلام لا يشارك النصرة في المعارك، وفي القرار، وأنها منذ أشهر طويلة موضوعة في قائمة التنظيف من الغوطة الشرقية، كما فعل جيش الإسلام مع جيش الأمة قبل أشهر، من خلال الحرب على المفسدين فيها.
وعندما دعت جبهة النصرة قبل عدة أيام إلى تشكيل جيش فتح في الغوطة الشرقية، ثارت القيادة الموحدة، وعاد ضجيج المعارك مجددا من خلال البيانات والبيانات المضادة، ودعوة كل طرف منهم الأخر بالنزول تحت رايته، على العلـم أن كليـهما يعـرف مسـبقا جـواب الطـرف الأخر.
وبعد هذه الحملة الإعلامية والتجييش، رأت قيادة جيش الإسلام، انه لا بد من الإطاحة بـ جبهة النصرة من الغوطة بشكل كامل، ولكن ما أخّر اندلاع هذه المعركة، هو ما يواجه جيش الإسلام في الغوطة الشرقية، من خلال المظاهرات التي خرجت وما تزال ضد زهران علوش في مدينة سقبا للمطالبة بالإفراج عن المعتقلين من أبناء المدينة في سجون جيش الإسلام، والذين كان قد اعتقلهم الأخير بعد توجيه تهم لهم تتعلق بمبايعة تنظيم الدولة، إلا أن هذه المظاهرات أرّقت جيش الإسلام إعلاميا، وأخرت مواجهته مع النصرة بعض الشيء.
ومن جملة المعوقات التي تواجه جيش الإسلام أيضا، رغم امتلاكه للمدرعات الثقيلة والأسلحة الرشاشة وآلاف العناصر، هي انه لا يمكن المقارنة بين جيش الأمة وجبهة النصرة، حيث أن الجبهة تمتلك أسلحة وعتادا يصنف بالمراتب الجيدة، إضافة إلى امتدادها الجغرافي من جنوب مدينة مسرابا إلى حمورية، وبيت سوى وما جاورها، وامتلاكها لقرابة 1000 مقاتل أو ما يزيد، والمهاجرين المنضمين في صفوفها.
ومن المعوقات كذلك، هي حركة أحرار الشام الإسلامية، التي كانت قد بثت قبل أيام قليلة فقط شريطا مصورا لعرض عسكري في الغوطة، رغم منع تواجدها وحلها في الغوطة من قبل القيادة الموحدة، إلا أنها ظهرت بعرض عسكري هو الأقوى، والذي كان يحمل رسائل سياسية هامة إلى جيش الإسلام وقائده زهران علوش، وتُعرف الحركة بتقاربها وتنسيقها الكبير مع جبهة النصرة في عموم البلاد، مما يعني أنها من الممكن ان تقف بجانب النصرة في حال اندلعت معركتهم مع جيش الإسلام .
المصدر : القدس العربي