أصدر مركز دراسات الجمهورية الديمقراطية مؤخرا، دراسة ميدانية تحت عنوان ” سوريا عصر أمراء الحرب وعودة الحمايات والوصايات “، تناول المركز فيها ظهور الميليشيات الشيعية في الأراضي السورية ككل، والخريطة الزمنية لظهورها، ووظائفها ومدى انتشارها في البلاد.
وبينت الدراسة التي ارتكزت على تقارير صحافية، ودراسات لمراكز بحوث عالمية، وشهادات من ناشطين محليين متواجدين في أماكن انتشار الميليشيات، الدور الجوهري لإيران في تشكيل هذه الميليشيات، وتطرقت إلى تاريخ العلاقة الايرانية السورية زمن حافظ الأسد، واصفة العلاقة حينها بين النظامين بـالمصلحية، لكن مع حدود كان يضعها الأخير للطموح الامبراطوري الإيراني، لكن ما لبثت هذه العلاقة أن تحولت للتبعية الكاملة، بقدوم الأسد الابن الذي سحب قواته من لبنان، ليقع بين مطرقة الضغوط الدولية، وسندان الانقاذ الإيراني، وخصوصا بعد توقيع اتفاقية الدفاع المشترك بين البلدين في العام 2006.
واعتبرت الدراسة أن الميليشيات الشيعية التابعة لإيران، أحد أهم عوامل تماسك النظام، بعيد ظهوره بمظهر القرب من السقوط في العام 2012، وأرجعت تاريخ تورطها في الحرب السورية إلى بداية انطلاق الثورة بشكل سري تحت حجج الدفاع عن المراقد الشيعية، معتبرة أن معركة القصير في أيار/مايو 2013، التي شارك فيها حزب الله كانت بمثابة الإعلان الرسمي والصريح عن تواجد الميليشيات في سوريا.
ووجدت الدراسة أنه وعقب إعلان «حزب الله» الصريح لقتاله إلى جانب النظام في معركة القصير، بدأت أعداد الميليشيات بالتصاعد، مثل ميليشيات «سيد الشهداء العراقي»، ولواء «ذي الفقار»، و«قوات محمد باقر الصدر» الجناح العسكري لمنظمة «بدر» ولواء «كفيل زينب»، ولواء «الإمام حسين»، ولواء «المؤمل»، و»الفاطميون» وغيرهم من الميليشيات التي سجلت تواجدها على الاراضي السورية في العام 2013، وهو عام الذروة في دخول وتشكيل الميليشيات بحسب المصدر.
وقسمت الدراسة بين ثلاثة أنواع من الميليشيات بحسب التشكيل، أولها ميليشيات كانت مشكلة قبل اندلاع الثورة السورية، مثل «حزب الله» لبنان، و«حزب الله» العراق، و»منظمة بدر» بينما تمثل الميليشيات التي ارتبط تشكيلها بالوضع السوري بشكل مباشر ثاني هذه الاقسام، مثل «أبو الفضل العباس» و»أسد الله الغالب» وفوج التدخل السريع، ولواء «الرضا» الشيعي وغيرها، وتشكل الميليشيات التي تشكلت نتيجة الوضع السوري آخر هذه الأقسام، ومنها لواء «ذو الفقار» و«النجباء» و«الزينبيون» و«الفاطميون».
ولاحظت الدراسة أن كل التشكيلات السابقة قامت على أساسين متقاطعين ومتناقضين جوهريا، وهما التمييز على أساس الجنسية والاثنية، ويلاحظ هذا من خلال وجود تشكيلات أفغانية، وباكستانية، وإيرانية، بينما تقسم التشكيلات العربية إلى سورية، ولبنانية، وعراقية، علاوة على الفرز على أساس ديني، أي بحسب مذهب المتشيعين الجدد، من السنة، والعلويين، والإسماعيليين.
ورصد المصدر أيضا أسباب تطوع الأفراد في هذه الميليشيات، ومثل الدين أحد أهم تلك الاسباب، بالإضافة إلى محاكاة الصراع المحلي، والمصلحة التي تتضمن الحصول على المال، وبعض الميزات الأخرى، وعن مناطق انتشار هذه الميليشيات في الداخل السوري فقد وثقت الدراسة، تواجد الميليشيات في كل المحافظات السورية، لكن محافظة دمشق تشكل الثقل الأكبر من بين بقية المحافظات.
واستفاضت الدراسة في الشرح عن العلاقة التي تربط بين الميليشيات والنظام السوري، واصفة إياها بالـ»الشائكة»، كما تطرقت إلى موقف السنة في سوريا من الشيعة فيما بعد الثورة، معتبرة أن المعارضين تلقوا طعنة من السيد «حسن نصر الله» بعد أن كانوا معجبين بشجاعته التي أبداها في حربه مع إسرائيل، فيما حافظ المؤيدون للنظام من السنة السوريين على مواقفهم السابقة، وبين هذا وذاك يأتي الرماديون «الشوام الأصليون» وسواهم الذين يحافظون على قدر كبير من الحس السليم بما يجري، وفق تقدير الدراسة.
وأفرد المصدر مساحة واسعة للبحث في مواقف الطوائف السورية الأخرى، العلوية، والمسيحية، والدرزية مما يدور، مؤكدة انحياز الكنائس الرسمية للنظام، مقابل انقسام شعبي مسيحي بين مؤيد ومعارض سلمي، وبخصوص الطائفة الدرزية فقد أكدت الدراسة فشل الجهود الإيراينة في توريطهم بشكل مباشر، لأسباب منها طبيعة الدروز المنغلقة، وفقدان الثقة بالنظام من قبلهم، والدور المحوري الذي يقوم به «شيوخ الكرامة» لمنع الانخراط في حرب طائفية، لكن الدراسة لم تغفل نجاحات بسيطة تحسب للنظام ولحزب الله معا، في اختراق الصف الدرزي عن طريق شخصيات متواطئة مع الأخير مثل النائب اللبناني وئام وهاب.
ومن جهة أخرى بحثت الدراسة أوضاع الفلسطينيين المقيمين في سوريا، حيث رأت أن الفصائل المرتبطة بالنظام السوري والمسماة بـ «فصائل دمشق»، لا زالت تخدم النظام، فضلا على اللجان الشعبية التي تقوم على حماية المخيمات وأماكن سكن الفلسطينيين، في دمشق، وحلب، معتبرة أن «لواء القدس» الفلسطيني من بين أشرس الفصائل التي تقاتل مع النظام.
المصدر : القدس العربي