أبلغ البوليس التركي أكثر من عشر عائلات سورية تقيم في أنطاكية القديمة بالقرب من السوق الطويل والشارع الرئيسي لحبيب النجار بضرورة إخلائهم لمنازلهم خلال أيام، وجاء هذا الإبلاغ بناء على شكوى قدمها مواطنون أتراك من أهالي الحي، يطلبون فيها مغادرة كل السوريين لحيهم الشعبي الفقير ذي المنازل رخيصة الأجر.
وتوجه عدة اتهامات واحتجاجات من قبل أهالي الحي للسوريين المقيمين فيه، بحسب ماذكر موقع كلنا شركاء منها إصدارهم للضجيج بشكل مستمر، ورمي القمامة أمام أبواب منازلهم وما إلى ذلك من تفاصيل يومية، فضلاً عن اتهامات من نوع آخر منها ما هو صحيح ومنها ما هو يفوق التصور .
فأم شريف الخمسينية التركية تقول ، بحسب ماذكر “كلنا شركاء”، أن الشاب مصطفي “عبعين عليي من الشباك” حيث تجد هذه الكهلة التركية أن مصطفى ذي الثلاثين عاماً، ينظر إليها نظرات “زعرنة” ومن أين؟ من شباك منزله.. أي أنه لم يقترب من بيتها الذي يفصل بينه وبين بيته زقاق ضيق، لكنه نظر من النافذة إليها وهي تجلس في الشارع أمام باب المنزل.
رغم أن السوريين القاطنين في الحي يعترفون أنهم يصدرون بعض الضجيج أحياناً، وأن أحد أطفالهم قد يقوم برمي شيء من القمامة في الشارع، لكنهم يقولون أن الجيران الأتراك لا يقلون عنهم في هذه التصرفات بل يزيدون عن ذلك بكثير، وتقول أم عبدو لــ كلنا شركاء “أن الزقاق بينهم وبين جيرانهم بقي مغلقاً بالرمل لمدة أربعة أيام حيث أراد الجيران بناء بعض (البلوكات) في مكان ما من المنزل، وللتوفير كالعادة لم يحضروا عاملاً بل قام أهل البيت بالعمل لعدة أيام، تسببوا خلالها بإغلاق الشارع وانتشار الأتربة والغبار في كل البيوت المحيطة دون احتجاج من أحد”.
يعتقد الكثير من المواطنين الأتراك وخاصة كبار السن منهم أن السوريين يعيشون في المدن التركية على حساب الحكومة، وأن الدولة تدفع لهم إيجار البيت وثمن طعامهم ورواتب شهرية دائمة، في حين أن هذا لا يحدث مطلقاً، وتحدثنا السيدة السورية أم جابر وتقول: “جارتي التركية دائماً تمنني وتقول لي أننا نعيش وننفق على حسابهم، وأنهم ساء وضعهم المادي منذ أن أتينا، فكل ما ننفقه يعطينا إياه حسب كلامها “الطيب” في إشارة إلى الرئيس رجب طيب أردوغان ويحرمهم منه، ولا يستطيع احد إقناعها أن زوجي وأولادي الثلاثة يعملون حتى نستطيع دفع إيجار البيت وتأمين لقمة الخبز”.
وحسب ما حدث في عدة مناطق يبدو أن هنالك تعليمات قد تكون شفهية فقط بضرورة إجبار السوريين على الإخلاء في حال أجمع أهالي الحي التركي أنهم لا يرغبون بوجود أي سوري في حيهم، وتكفي عدة شكاوى إلى البوليس لقيامهم بإخراج السوري من منزله المستأجر، حتى ولو كان قد فع سلفة لعدة شهور، فهذا الأمر يتركه رجال الشرطة ليبقى مشكلة يحلها السوري والتركي صاحب البيت فيما بينهما، وغالباً لا يحصل السوري على ما تبقى له من مال، وبشكل قانوني فهنالك عقد واتفاق موقع ولم يقم صاحب البيت بطرده.
وبالمقابل وفي أحياء قد تكون مجاورة تختلف المعاملة تماماً ويقوم الكثير من المواطنين الأتراك بإقامة علاقات ودية مع السوريين، وتقديم المساعدات لهم أحياناً، فلا مكان للتعميم هنا، إلا أن الأمر سيكون صعباً على المواطن السوري المنهك مادياً أصلاً، أن يتم إخراجه من منزل استأجره واعتاد العيش فيه، ليبدأ من جديد رحلة شاقة في البحث عن منزل آخر، والذي غالباً ما ستكون أجرته مرتفعة أكثر من المنزل السابق، فضلاً عن دفعه لــ “كمسيون” لدى استئجاره البيت الجديد، حيث لا يقبل هنا “الدلالون” إلا أجرة شهر كامل كأتعاب لهم.
يتزايد التوتر في أوساط المجتمع التركي حول وجود السوريين بين الأهالي من الأتراك، وخاصة في المناطق الحدودية كأنطاكيا وكيليس والريحانية، وللأمر جوانب مختلفة، إذ يعمل السوري اللاجئ والقادم من بلدته أو مدينته هرباً من الموت، بأي أجر مهما كان بسيطاً، فأصبح أصحاب المهن من الأتراك يرفضون تشغيل التركي الذي لا يقبل أجرة يومية تقل عن ستين ليرة تركية، بينما السوري يعمل بأجرة مقدارها أحياناً خمسة عشر ليرة تركية أو عشرين في كثير من الأحيان.
ومن جانب آخر ونتيجة تدفق السوريين وازدياد طلباتهم لاستئجار المنازل ارتفعت الأجور وتضاعفت عدة مرات، فالمنزل الذي كان إيجاره الشهري لا يتجاوز مائتي ليرة تركية وصلت أجرته إلى ثمانمائة ليرة وبالتالي فإن الشاب التركي الراغب بالزواج مثلاً ولا يملك منزلاً، بدأ يضطر لدفع مبالغ كبيرة كأجرة للمنزل تكاد تصل إلى نصف راتبه الشهري، بينما السوريون يدفعون هذه المبالغ كون الكثير من المنازل تقيم فيها أسرتين وأحياناً ثلاثة أسر خاصة في حالة الأهل والابن أو الإخوة والأقارب.
كل ما سبق خلق حالة تململ من وجود السوريين واعتبار ذلك مصدر خسارة مادية بالنسبة للمواطن التركي وخاصة الفقير، فأصحاب المنشآت والعقارات من الأتراك استفادوا من هذه الحالة ويرغبون بدوامها، بينما الفقراء تأثروا حقيقة وخاصة من حيث أجور العمالة وتكاليف الحصول على منازل مستأجرة.
ويبقى مصير السوري متأرجحاً على الرغم مما تقدمه الحكومة التركية من تسهيلات في مجالات أخرى كالسماح بالعمل والعلاج في المشافي العامة، إلا أن حالة عدم الاستقرار أصبحت متعبة بالنسبة لللاجئ السوري وأصبح من الضروري إيجاد حلول (وعدت بها الحكومة التركية) لمئات الآلاف المنتشرين في المدن التركية.