يعتبر ريف حلب الجنوبي، أكبر أرياف المحافظة من حيث المساحة، حيث يمتد من قرية عزيزة في الشمال الشرقي، حتى بادية حماة أقصى الجنوب، ومن قرية الراموسة في الشمال الغربي، وصولاً إلى قرية أبو الظهور بريف ادلب الشرقي.
ولم يشفع لهذا الريف بعد الثورة، الأهمية الاستراتيجية التي يحظى بها موقعه، حيث تعرض للإهمال من جديد، انسانياً وعسكرياً كذلك، ما مكن النظام من استعادة السيطرة على أجزاء واسعة في القسم الشرقي منه عام 2013، واستطاع بذلك تأمين ممر إمداد هو الوحيد الذي يوصله إلى حلب، بينما حافظ لقسم الغربي منه على دوره كممر للثوار بين حلب وإدلب.
مخيمات بلا خيم !
يعيش أبناء ريف حلب الجنوبي أوضاعاً مأساوية صعبة، بعد سيطرة قوات النظام على أهم الطرق والمواقع الاستراتيجية فيه، مما يشكل عائقاً كبيراً في ايصال المساعدات الإنسانية إلى هذه المناطق، كما أدت موجة النزوح الكبيرة التي شهدها قرى وبلدات هذ الريف، بسبب عمليات النظام العسكرية فيه، وارتكابه أفظع المجازر في عدد من المناطق عام 2013، إلى زيادة الأوضاع سوءً فيه.
في منطقة جبال الحص القريبة من معامل الدفاع، لجأ أكثر من ألفي عائلة هرباً من الموت قبل عامين، ليعيشوا في مخيمات بدون خيام ..! مجرد أكياس من الخيش تم حياكتها لتكون مأوى لهم، بعد أن اكتفوا بالأرض فراشاً وبالسماء غطاء.
أوضاع مأساوية
(مخيم جب الأعمى) أحد هذه المخيمات التي أنشأت في منطقة الحص، حيث يعيش فيه ما يقارب المئة وخمسون عائلة، من القرى التي اقتحمتها المليشيات التابعة للنظام، منتصف 2013، ويعاني هذا المخيم من نقص حاد في الاحتياجات الإنسانية والمعيشية.
(أبو عدنان) أحد سكان هذا المخيم، يتحدث لـ وطن اف ام عن معاناته مع الظروف المعيشية الصعبة فيه، ويقول: لم نعلم كيف ذهب الشتاء الماضي والذي مر علينا أقسى من الموت، ليأتي حر الصيف ونحن داخل هذه الأكياس، التي لا تقي حراً ولا برد .. لا يوجد شيء من مقومات الحياة لدينا، لا مياه ولا كهرباء ولا حتى مستوصف نلجأ إليه عندما يصاب أحد أطفالنا بالمرض.
ويضيف أبو عدنان: نضظر إلى شرب مياه الآبار رغم علمنا أنها غير صالحة تماماً، ولكن ما باليد حيلة بعد أن وصل سعر خزان المياه إلى ما يقارب العشرة آلاف ليرة، علماً أن مصدرها مياه الآبار أيضاً، بينما نادراً ما تزور مخيمنا المنظمات الإغاثية التي تكتفي بتقديم بعض السلل لبعض العائلات، رغم علمهم بأن جميع السكان في هذه المناطق بحاجة إلى كافة أشكال المساعدة.
تهميش المنطقة
بعد سيطرة النظام على معظم الطرق المؤدية الى ريف حلب الجنوبي، بات الوصول الى تلك المخيمات يتطلب من المنظمات الإغاثية رحلة طويلة، تمر عبر الريف الغربي، علماً أن الطرقات التي تصل هذين الريفين معظمها مرصودة من قبل قوات النظام، إن لم يكن بالقناصات، فبالدبابات والسلاح الثقيل.
إلا أن هذه الأسباب التي تبرر بها المنظمات والجمعيات الخيرية ومؤسسات الدعم الإنساني عدم نشاطها في هذه المنطقة، لم تقنع الناشطين المتواجدين في ريف حلب الجنوبي، في ضوء الأوضاع الصعبة التي يعيشها أكثر من مئتي ألف شخص هناك.
وبهذا الخصوص يقول “زكريا المحمد” أحد ناشطي الريف الجنوبي لـ وطن اف ام : انتقل ريف حلب الجنوبي من عملية التهميش الممنهجة التي كانت تتبعها حكومة النظام، إلى تهميش المؤسسات الثورية له، وكان آخرها ما حدث، إقالة مندوبي وممثلي الريف الجنوبي من عملهم في وزارة الصحة التابعة للحكومة المؤقتة، على الرغم من الوضع المزري الذي يعيشه أبناء هذا الريف، وخاصة من الناحية الصحية، وحاجته الماسة إلى ثلاث نقاط طبية على الأقل، في التجمعات الرئيسية في كل من (المطخ، الحص، القرى الجنوبية من تل الضمان) بسبب خلوها من العيادات الطبية، ووجود أعداد كبيرة من المدنيين في هذه المناطق.
وأضاف المحمد: المخيمات و قرى هذا الريف تحتاج إلى كل شيء، من مساعدات إغاثية إلى نقاط طبية، وخاصة بعد موجة النزوح الكبيرة التي شهدتها البلدات والقرى الواقعة على طريق خناصر-معامل الدفاع، حيث اضطررنا إلى إجلاء معظم هذه العائلات إلى المخيمات الحدودية بسبب النقص الذي نعانيه على كل الأصعدة. كما أننا نلح وفي كل مناسبة على دعم المجالس المحلية في الريف الجنوبي حتى تكون قادرة على تلبية احتياجات النازحين الأساسية عوضاً عن إهمالها بهذا الشكل الذي جعلها بلا حول ولاقوة.
ريف حلب الجنوبي، هو أفقر منطقة في العالم، هذا ما قالته منظمة التنمية العالمية منتصف التسعينيات من القرن الماضي، لكنه تصنيف لم يشفع لساكنيه بأن يحظى باهتمام أي جهة، لا من قبل النظام قبل الثورة، ولا من جان ي مؤسسة أو جهة بعد الثورة، ما جعل سكان هذا الريف المنسي، يصارعون وحدهم تقريباً كل الصعوبات.
حلب – منصور حسين – وطن اف ام