القصف المكثف وسياسة الأرض المحروقة التي تتبعها الميلشيات الإيرانية خلال تقدمها في مدن وبلدات ريف حلب الشمالي، إضافة إلى الهجمات الجوية التي تنفذها الطائرات الروسي، حولت الكثير من المناطق إلى أطلال، خاصة بلدات (عندان، حيان، حريتان، بيانون، مسقان، تل رفعت، مسقان، معرستة خان) التي هجرها سكانها، نتيجة استهدافها بأكثر من ثلاثمئة غارة جوية خلال أربعة أيام، تسببت بمجازر بحق المدنيين، وأجبرت الأهالي على الفرار إلى الشريط الحدودي مع تركيا، أو إلى ريف حلب الغربي.
المأساة المركبة
حقائب معدة للتنقل، وألآف العائلات المنتشرة على الشريط الحدودي الفاصل بين الأراضي التركية والشمال السوري الملتهب، تنتظر فرصة الهرب من جحيم المعارك والقصف الذي تعيشه مدن وبلدات تحولت بين ليلة وضحاها، إلى ميدان نيران تحرق كل شيء فيها.
عشرة آلاف عائلة، كانت تقطن (تل رفعت، اعزاز، حيان، حريتان، عندان، بيانون، ماير، معرستة) في ريف حلب الشمالي، أصبحت اليوم مشردة على طول الجدار الإسمنتي الذي بنته تركيا مؤخراً، للفصل بين أراضيها وبين مناطق سيطرة الثوار في ريف حلب الشمالي.
البرد القارس كان سبباً آخر لزيادة المعاناة التي يعيشها المدنيون العالقون على الحدود، سياسة الأبواب المغلقة من قبل السلطات التركية التي تقول إنها عاجزة عن استقبال هذا العدد الكبير من النازحين دفعة واحدة، جعل من معاناتهم “تغريبة” تشبه ما عاناه الفلسطينيون سابقاً في تغريبتهم التاريخية، على حد تعبير الناشط أنس الحاج عبد في تصريحه لـ”وطن اف ام “.
تغريبة تمتد بالنازحين
ويقول الناشط أنس الحاج عبد : يغص الشريط الحدودي بالنازحين، فمنهم من كان يحاول الدخول منذ أسابيع، بعد أن تمكن من الفرار إلى مناطق سيطرة الثوار في الريف الشمالي، قادماً من مناطق سيطرة تنظيم “داعش”، وآخرون تقدر أعدادهم بأكثر من خمسة عشر ألف نازح إلى ريف حلب الشمالي من مختلف المناطق السورية، ليضاف إليهم اليوم الآلاف من سكان مدن وبلدات الريف الشمالي التي باتت خالية من قاطنيها الآن.
ووفق عبد ، فإن السلطات التركية تمنع إلى الآن دخول أي مدني إلى أراضيها، رغم وصول الآلاف منهم إلى المنطقة التركية من معبر باب السلامة، والتي يطلق عليها اسم (الباب الأبيض)، ورفعهم شعارات تطالب بإدخال النساء والأطفال وكبار السن، نظراً لتوجه معظم الشباب إلى معارك الريف الشمالي.
العائلات التي كانت تنتظر تصريح السلطات التركية بالسماح لها بالعبور، فوجئت يوم الجمعة بقرار إدارة معبر “أونجي بينار” ووالي كلس، الذي أعلن فيه، سعي منظمة الإغاثة التركية “أفاد” بناء مخيم جديد للنازحين داخل الأراضي السورية، بعد أن تجاوز عددهم الخمسين ألف نسمة.
محاولات اسعافية قاصرة
وكانت بعض الجمعيات الإنسانية والإغاثية العاملة في ريف حلب الشمالي، قد بدأت بتوزيع الخيام وبعض المستلزمات الأساسية والمواد الغذائية على النازحين في المنطقة، إلا أن الكثير منها أعلن نفاذ مخزونه من هذه المواد، بما في ذلك المستودعات الخاصة بمخيم باب السلامة، والتي لم تكن تكفي بالأصل لسد احتياجات سكان هذه المخيم.
وعلى الرغم من الأوضاع الأمنية السيئة التي تمر بها المناطق القريبة من مخيم النازحين في باب السلامة، من قصف بالصواريخ بعيدة المدى التي تستهدف مدينة اعزاز وقرية “سجو” الحدودية، إضافة إلى الحالة الإنسانية الصعبة التي يعاني منها مخيم باب السلامة، إلا أن ذلك لم يمنع المسؤولين عن المخيم من تقدم بعض المساعدات للعائلات التي افترشت الطرق داخل أسوار المعبر.
وفي حديثه لـ”وطن اف ام ” قال “نزار نجار” نائب مدير مخيم باب السلامة الحدودي: كنا نأمل من الحكومة التركية ادخال النازحين بالتزامن مع الكارثة التي يعيشها ريف حلب الشمالي حالياً، والتي حولت جميع سكانه إلى نازحين، إلا أنهم قرروا إنشاء مخيم جديد داخل معبر السلامة، على الرغم من أن فكرة إنشاء مخيمات جديدة داخل الأراضي السورية يعد أمر خطيراً، خاصة وأن الطيران الروسي يقوم باستهداف المنافذ الحدودية والمخيمات فيها مؤخراً، كما حدث في ريفي إدلب واللاذقية.
وأضاف النجار: قدم لنا الجانب التركي 500 خيمة، وهو رقم غير كاف إطلاقاً، كما أننا تقدمنا بطلب إلى المنظمات والمؤسسات الإنسانية لتقديم الدعم المطلوب لسد احتياجات النازحين الجدد، لكن حتى اللحظة، لم نحصل سوى على وعود للعمل على تحسن الأوضاع واستيعاب الناس في مخيم المعبر.
محاولات عديدة قام بها بعض النازحين المتجمعين على الشريط الحدودي للعبور إلى داخل الأراضي التركية، إلا أن محاولاتهم دائماً ما تم التصدي لها بالرصاص من قبل حرس الحدود التركي، ما أسفر عن مقتل أربعة مدنيين منذ بدء موجة النزوح الأخيرة، كان بينهم طفلة في العاشرة من عمرها، الأمر الذي أدى لردود فعل واسعة انتقدت هذا الموقف، وطالبت المسؤولين الأتراك بإصدار قرار انساني يسمح للراغبين بالعبور إلى الأراضي التركية بالدخول.
منصور حسين – حلب – وطن اف ام