إنهم أكبر الناجين من الحرب في سوريا
رجال, نساء, أجداد, أزواج وزوجات – أعمارهم تفوق الـ 100 سنة وبعيدون عن وطنهم
إنهم مثل اللاجئين الشباب تماماً, كبار السن في أكثر الحالات غير قادرون على الفرار ولا النضال لإعادة بناء حياتهم بعد ما تم سلب كل ما اعتادوا عليه.
عشرات من آلاف اتخذوا رحلتهم المحفوفة بالمخاطر نحو الأمان بأجسامهم الهشة والضعيفة, في محاولة منهم للهروب من العنف
في ما يلي ملفات 12 معمراً سورياً. ولدوا قبل أكثر من 100 سنة, عاشوا حربين عالميتين ويشهدون حربقاسية ووحشية أخرى, ويمضون أوقاتهم قلقين على أحفادهم – و على مستقبل وطنهم سوريا.
دغا, عمرها 101
اعتادت “دغا” إلى سماع صوت القصف على سوريا من الخيمة الصغيرة التابعة لعائلتها في اللبنان بينما تقضي جالسة بصمت على التلة, وكانت تعمل في إصلاح الثياب في تلك الأوقات
محاولةً أن تحدد مكان القصف في موطنها. وبعد ذلك أصيبت بجلطة. هي الآن مصابة بالشلل بشكل شبه كامل , ولا تستطيع سوا أن تمسك أيادي عائلتها وأصدقائها الذين يأتون ليعطوها قبلة. كل أسبوع,
تصل الأخبار عن مزيد من الناس الذين ماتوا في قريتها بمن فيهم أقربائها. وتقول عائلتها أن غالباً ما تبكي أثناء نومها.
تقول فاطمة حفيدة “دغا” “أن أكبر مخاوفها أن تموت في اللبنان” وتوضح أن جدتها قبل أن تـُـصاب بالجلطة كان بإمكانها الكلام بوضوح كصوت شابة.
وتذكر قول جدتها حينها : ” إدفنوني في مكان آخر عندما أموت. إدفنوني في سوريا – أرجوكم أن توعدوني أنكم ستدفنونني في وطني.”
غزوان, العمر 100
غزوان وزوجته تزوجوا من زمن طويل. قبل 72 سنة مضت ( في ذروة الحرب العالمية الثانية. ) الحرب في سوريا لم تفرقهما. حتى عندما دمر القصف منزلهما قاموا بالفرار إلى اللبنان معاً.
اليوم, يعيش الزوجان بشكل مؤقت في قبو كراج تصليح سيارات بمنطقة صيدا في جنوب اللبنان
في كثير من الأحيان يبقون بدون كهرباء, و بعد وقت الظهيرة يلتف أحفاد غزوان حوله وعندما يقرر الإستراحة فلا يوجد سوا غرفتين صغيرتين بإنارة ضعيفة إن وجدت
يصدح صوت المؤذن في مسكنهم. وأحياناً يظن غزوان أن الصوت قادم من مسجدهم القريب في الحي في سوريا.
وحتى يخف ألمه, يأتي بعض الجيران اللبنانيون ويأخذونه إلى الحقل ليقف غزوان في الحقل قرب الحيوانات ويتذكر أرضه.
حمدة, العمر 106
تغير الكثير خلال 45 سنة منذ أن أقامت حمدة في اللبنان. زوجها الذي عاشت معه لفترة في مدينة البقاع في بئر لياس, قد وافته المنية. كما أنها فقدت بصرها
والآن طالما الحرب مستمرة تبقى “حمدة” لاجئة.
“ربما يكون لصالحي أن الله أفقدني بصري قبل أن أرى دمار بلدي” تقول حمدة هذا الكلام من منزلها المستأجر الذي تشاركه مع إبنها الأصغر وعائلته.
كان الدمار في قريتها على الحدود اللبنانية السورية السبب في نزوح “حمدة” وذهابها إلى بئر لياس “في البداية سمعنا صدى التفجيرات في الأفق فقط, وبعد بضع أسابيع كانوا فوقنا تماماً في ذلك الوقت هربنا” سريعاً إنقلب عالمها رأساً على عقب.
تقول “حمدة” : ” حتى وإن انتهت الحرب وأعدنا إعمار منازلنا, هناك الكثير من الأشياء التي لا يمكن إعادة إعمارها أبداً “ وتكمل قولها : ” السوريون لم يتفرقوا أبداً – أما الآن, للأسف لن يعودوا كما كانوا أبداً. “
سعدة, العمر 102
خسرت “سعدة” الكثير في حياتها – خسرت سبعة من أصل عشرة أولاد و زوجها والآن موطنها..
ولكنها اليوم, محاطة بعائلتها وجيرانها في مدينة البقاع اللبنانية, تبقي معنوياتها عالية بذكر الأيام الأفضل في سوريا. وتقول “سعدة” : ” اعتدنا ان نستيقظ قبل طلع الشمس ونذهب للعمل في الحقل. وفي نهاية اليوم اعتدت أن أكون متعبة ومرهقة وأنام على الحمار في طريق عودتي للمنزل”
في البداية, كانت “سعدة” مترددة في النزوح. حتى عندما بدأت التفجيرات, أستمرت ببساطة بالروتين اليومي ولكن في نهاية المطاف أقنعها حفيدها في النزوح بعد أن وعدها بأنه سيحمل جثمانها عائداً إلى سوريا ويدفنها بجانب أخيها عندما يأتي ذاك الوقت.
التخلي عن موطنها كان صعب عليها حسب قولها ” كما تعلمون بدون مساعدة الأونروا لبقي معظمنا جائع هنا. “
وتستمر بقولها “لكنك تحتاج لأكثر من صندوق طعام. تحتاج للتفاعل مع الأناس الآخرين لتبقى إنسان وليس مجرد رقم”
بهيرة, العمر 100
من كرسيها البلاستيكي المهتري في شرفتها بالطابق الرابع, تأخد بهيرة نظراتها على مدينة بيروت في اللبنان.
هي لاجئة من العام الماضي. وتقول ” سوريا هي تخفة من صنع الله “, وبنظرات عابرة وحزينة للشوارع الغير مألوفة في الأسفل تقول. ” تشعر بالروعة عندما تكون أمامك. “
أطفال حول بهيرة, أحفاد, وأحفاد رائعون – الكثير منهم, أحياناً يكثرون عن العد, في عمرها, يجب أن تكون تستمتع بحياتها مع عائلة ودودة وكبيرة. ولكن بهيرة بكل حزن وأسى تحن لموطنها.
مع كل ذلك لا تتذمر, ويقول إبنها أنه غالباً ما يستيقظ في الليل ويجدها تبكي لوحدها على الأريكة. قائلاً : ” هي دائماً تسأل عن أي أقارب عادوا للوطن وإذا ماكان هناك طريق متوفر للقرية. “
تريد أن تعرف هل هناك أي حواجز عسكرية لأنها تريد أن تعود, ودائماً تسأل .. هل يمكننا أن نعود ؟ هل يمكننا الرحيل اليوم ؟
خالدية, العمر 103
أحبت “خالدية” صورة. وفيها, أخويها التوأم وأمها يقفون جنباً إلى جنب, يداً بيد. إلا أنهما قد وافتهما المنية, وفقدت تلك الصورة بينما كانت على عجلة من أمرها أثناء فرارها من سوريا ما تزال تتخيل الصورة وتتذكرها كل صباح. خالدية وصلت إلى اللبنان منذ سنتين. وما تزال تستطيع أن تذكر إسم أبنائها الـ 12 وأحفادها الـ 30,
تعيش “خالدية” مع بعض من أحفادها الرائعين في بيت عائلة إبنها, وتوسلت إليهم ليبيعوا ذهب ذفافها للمساعدة في تغطية نفقات منزلهم, ولكنهم رفضوا.
زوجها الراحل كان أصغر منها بعشر سنوات و لواء في الجيش أيضاً. وتروي وهي فخورة ” اعتاد الجميع أن يسخروا منه, لأنه يمتلك زوجة أكبر منه بعشر سنوات, ولكنه أحبني “.
إن أعز الذكريات لها أنه كان يشتري لها برتقالة يومياً. ” ويقوم بتقشير البرتقالة لها “ كما تذكر وأضافت قولها ” على الرجال أن يقشروا البرتقال للنساء دائماً. “
مفلح, العمر 103
“مفلح” يحصد مازرع, بعد أن كان دور المستضيف لعائلة لبنانية خلال حرب 2006 في اللبنان وجد الآن الأسرة ذاتها تأويه وترد له الجميل.
بلال, الذي كان طفلاً عندما نزح هو وعائلته إلي بيت “مفلح” في سوريا, الآن يهتم به ويتفرغ لخدمته بوقته الكامل.
ولكن “مفلح” يائس من العودة إلى سوريا, حيث يوجد له حفيدين رائعين ارتقت أرواحهم للسماء بسبب القصف وقد حاول الهرب مرتين. محافظاً على هويته التي أصدرها منذ 70 عاماً, المخبأة في جيب قميصه.
ويقول بإصرار : ” أنا عائد إلى سوريا, لذلك يجب عليّ ألّا أضيع بطاقتي الشخصية “. أحياناً, يندمج في أغنية, ويغني عن حب ضائع وفرص فائتة. ويقول : ” أشعر وكأنني هنا منذ 500 سنة. “
فطومة, العمر 102
فطومة أسطورة نوعاً ما, من قبل أيام الماكينات الثقيلة, كانت الأقوى في قريتها, وغالباً ما تفوق همتها همم الرجال وصبرهم في العمل.
وتقول ضاحكة : ” كان الرجال يحصدون مكان واحد, بينما كنت أحصد أربعة أماكن في الوقت نفسه ” نزحت من شمال سوريا في بداية عام 2013,
وصولاً إلى اللبنان بالباص مع إبنها البالغ من العمر 66 عاماً وإسمه محمد, وكذلك زوجنه وأولاده الخمسة.
اليوم هي في حال سيء جداً دون أن تعرف السبب. وتقول : ” إن المرض الذي أصابني, لا يمكن للأطباء أن يشفوني منه “.
إبنها محمد يحتفظ بوثائق العائلة كلها في حقيبة صغيرة وأحياناً يخرج لها بطاقة أبوه الشخصية لتمسكها فطومة بيدها وتقبل صورة زوجها في كل مرة تراها.
ويقول محمد : ” لقد كانت ملكة العالم “. ويستمر قائلاً : ” والآن هي هنا بدون عرشها “.
سعادة, العمر 100
تستلقي سعادة على فراشها في بيت صغير تتشارك فيه مع إبنها وزوجته في بلدة البقاع اللبنانية. ” هل حان وقت الصلاة ؟ هل بدأ الأذان ؟ “ هذه هي الكلمات الوحيدة التي تنطقها.
فقدت بصرها منذ 14 عاماً وهي الآن صماء بشكل شبه كامل, تقضي أيامها بروتين ثابت يتمحور حول الصلاة, وأحياناً الطعام أو ذكريات الحنين إلى الحياة في سوريا.
قبل نزوحها من سوريا مع إبنها قبل سنتين, سعادة كانت فرحة بالسير على شرفة منزلها. أما الآن فإن نشاطها الوحيد هو أن تستيقظ وتتوضئ لتصلي الأوقات الخمسة في اليوم.
يقول إبنها أنها إذا تكلمت فإنها تتكلم أثناء قراءة القرآن في صلاتها أو عندما تشتم الحرب.
ويضيف إلى قوله : ” تشتاق لحريتها ووطنها, شعرت بالحياة هناك ” . ويستمر قائلاً : ” أما هنا فإنها تشعر بأنها لا تفعل شيء سوا انتظار وقتها أن يأتي. حتى إنها تدعي أثناء صلاتها ليأتي وقتها قريباً. “
أحمد, العمر 102
” يقولون إذا أحبك الله فسوف يعطيك عمراً طويلاً “ بهذه الجملة يبدأ “أحمد” حديثه, من بيته البلاستيكي الذي لجأ إليه في بلدة البقاع اللبنانية.
ويستمر قائلاً : ” ولكنني أتمنى لو أحبني الله أقل من ذلك, لبقيت ساجد على ترابها. الآن, إذا أردت أن أتحدث عن منزلي فسأتكلم عن هذه الخيمة الصغيرة. “
يستمد أحمد قوته من ذكرياته ومن عائتله معاً, يملك أحمد 11 إبناً , ومزيد من الأحفاد وأبناء الأحفاد . ويقول ضاحكاً : ” بالطبع لا يمكنني أن أتذكر كل أسمائهم. “
تمـّـام, العمر 104
ولدت في 1910, “تـمـّـام” تتذكر أوقاتها البسيطة أيام شبابها في سوريا. الاستيقاظ عند الفجر, عندما كانت تحمل حزم الخشب على ظهرها والعمل في الحقل.
وتذكر في قولها : ” لم نمرض يوماً لأننا اعتدنا ان نأكل مما ينمو في أرضنا “ . وتستمر في قولها : ” كان يوجد الكثير من الأمان , اعتدنا أن نخرج لنجمع الخطيب في منتصف الليل “
في السنة الماضية “تـمـّـام” نزحت مع إبنها إلى بلدة البقاع اللبنانية. لأن الاضطرابات في السنوات الأخيرة تزعجها كثيراً.
وتقول : ” إن أحفادي يتابعون الأخبار ويسألونني , ماذا تعني كلمة سـنـّـي وكلمة شيعي؟ “
وتستمر بقولها : ” هم لا يعلمون فنحن لا نتكلم بمثل هذه الأشياء, نحنا كلنا سوريون وهذا كافي بالنسبة لنا. “
خضرة, العمر 104
عاشت “خضرة” في منزلها في سوريا, تطبخ, تنظف وتمشي ما يزيد عن الكيلومترين يومياً. كانت قوية, مع طاقة لا حدود لها.
إلى أن امتدت الحرب إلى مدينتها فنزحت إلى الخيام في منطقة البقاع. وتسأل : ” هل يمكنك أن ترى ما بداخل الشخص ؟ “
وتجيب : ” أن لا يمكنني أن أرى ما بداخلك, ولا انت تستطيع أن ترى ما بداخلي . ولكنك لو كنت تستطيع لرأيت قلباً أسوداً , يبكي بإستمرار على أبنائي وأحفادي ومستقبلهم “.
_____________________
ترجمة وتنفيذ :: وطن اف ام
المصدر :: UNHCR