أثارت زيارة وفد تونسي نقابي إلى دمشق، نهاية يوليو الماضي، الجدل في البلاد، بعد مطالبته بالتطبيع معها، رغم القطيعة الرسمية بسبب جرائم الأسد منذ بدء الثورة السورية في آذار 2011.
حيث قال بو علي المباركي، رئيس الوفد الذي يمثل الاتحاد العام التونسي للشغل، بعد زيارته دمشق، إنه ينوي لقاء وزير الخارجية التونسي خميس الجهيناوي، لحثّه على إعادة العلاقات مع نظام الأسد.
وكان الرئيس التونسي السابق، المنصف المرزوقي، قد أعلن في شباط 2012، قطع العلاقات مع النظام السورية، احتجاجا على جرائمه ضد الشعب السوري بعد اندلاع الثورة السورية.
من جانبه، استقبل نظام الأسد عدة وفود تونسية رغم القطيعة الرسمية، كان آخرها وفد زار دمشق مطلع شهر آب الجاري، وترأس الوفد النائب اليسارية مباركة البراهمي من الجبهة الشعبية التونسية، الذي اعتبر أن قطع العلاقات مع نظام الأسد، كان موقفا خاطئا لا يستجيب لوجدان الشعب التونسي.
هذا وأشار البراهمي، أن منتقدي زيارة الوفد لدمشق، يصطفون إلى جانب المجموعات السلفية والإرهابية، حسب وصفه، وأنهم أداة عند الغرب في حربه ضد النظام، وهم من سفر الارهابيين إلى هناك.
وأكد أمين عام الاتحاد التونسي للشغل، نور الدين الطيوبي، أن مؤسسات الدولة يجب أن تفكر في عودة العلاقات مع نظام الأسد، وأن الانتفاضة السورية كانت ثورة هادئة بين شعب وحاكم فهي أمر طبيعي، لكنها تحولت لحرب إبادة، مشددا أن سوريا جزء لا يتجزأ من الامة العربية.
وصرح بوعلي المباركي، أن طرح الإخوان المسلمين، في إشارة منه لحركة النهضة، طرح خاطئ، لا يريد للشعوب العربية أن تكون لها أوطان، والاتحاد التونسي للشغل يقف مع حكومة وجيش الأسد.
ويعتبر مراقبون أن زيارة الوفد النقابي التي تلتها زيارة وفد برلماني من المعارضة التونسية لدمشق، لا تخلو من رسائل داخلية، تعكس الصراع الدائر في تونس منذ السنة الأولى للثورة، بين تيارات ماركسية وقومية، وبين الإسلاميين.
في السياق ذاته، ربط المحلل السياسي الحبيب بو عجيلة في حديث للأناضول، بين الزيارة لدمشق والتجاذبات السياسية، مؤكدا أنها لا تتناقض مع مواقف الاتحاد التونسي السابقة من الوضع في سوريا، وأنه تم تعجيل الزيارة عقب رفض اللائحة المطالبة بعودة العلاقات مع سوريا.
وقال بو عجيلة، إن الخط السياسي للاتحاد التونسي للشغل، في تمايز مع الائتلاف الحاكم، لكونه خطا يساريا ذا منحى عروبي، واعتبر أن الزيارة موقف سياسي له انعكاس على المشهد السياسي والاجتماعي، رغم أن الاتحاد ذهب سابقا إلى التوافق في الساحة التونسية.
ويرفض المحلل السياسي مناقشة القضية من منظار حقوقي، لأن ما تشهده سوريا تختلف حوله الأطراف السياسية والفكرية العربية، عن كان ثورة أم لا، مشيرا إلى أن الأسد استقبل وفودا أوروبية وغربية برلمانية وجمعياتية، والاتحاد التونسي يقدم هذا مبررا بعدم وجود خطأ في زيارة دمشق.
وأضاف بوعجيلة أن القيادة النقابية أخطأت بمحاولتها استغلال الزيارة لمصلحة موقفها الداخلي، حين قالت إن الائتلاف الحاكم الذي كان مؤلفا من حركة النهضة وحزب المؤتمر من أجل الجمهورية، بزعامة المنصف المرزوقي، والتكتل الديموقراطي من أجل العمل والحريات بقيادة مصطفى بن جعفر، كان يدعم الإرهاب.
كذلك، قال أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة التونسية عبدالمجيد العبدلي، إن زيارة الوفد النقابي إلى سوريا، لم تأت في الوقت ولا المكان المناسب، مضيفا في حديث للأناضول، أن النظام السوري لا يختلف في شيء عن نظام زين العابدين بن علي الذي خلعه الشعب التونسي في ثورة 2011، ولا عن نظام معمر القذافي الذي لقي حتفه على يد الليبيين في نفس العام.
ورفض الالعبدلي بشدة، المبررات التي تصف بشار الأسد بالممانع والمقاوم ضد الاحتلال الإسرائيلي للأرض العربية، مستنكرا “هل أطلق النظام السوري طلقة واحدة ضد إسرائيل التي تحتل الجولان من عام 1967؟”.
وعبر الأستاذ الجامعي عن استيائه حول مساندة بشار الأسد من قبل جهة حاصلة على جائزة نوبل للسلام، التي تدعم خيارات الشعوب في الحرية والديموقراطية، وأيدت سابقا الثورات في كل من مصر وليبيا وتونس، في إشارة منه للاتحاد التونسي للشغل، الذي حصل على نوبل عام 2015، بعد أن قاد الحوار في تونس مع ثلاث جهات أخرى، ما سهل الانتقال الديموقراطي في البلاد آنذاك.
كما قلل العبدلي من شأن الدعوة لإعادة العلاقات مع نظام الأسد لأن سوريا حاليا تتفتت، مستفهما “”هل فعلا لو أعدنا العلاقات، وأصبحت لنا سفارة في دمشق، سنعيد التونسيين الذي ساندوا فصائل المقاومة أو الذين التحقوا بالجماعات الإرهابية؟”.
وتشير الأرقام الرسمية أن الجالية التونسية في سوريا تقدر بحوالي 6 آلاف شخص، في حين انضم ما يقارب هذا الرقم للتنظيمات الإرهابية هناك، إضافة لوجود 50 تونسيا معتقلا في سجون الأسد.
وحسب الأمم المتحدة فإن حوالي 400 لاجئ سوري، يقيمون في تونس، بعد تصاعد الحرب التي يشنها النظام ضد السوريين.
وطن اف ام