انتشر في الفترة الماضية فيديو مصور يظهر فيه مجموعة من مشايخ العقل في محافظة السويداء، جنوبي سورية، يتوسطهم الشيخ، وحيد البلعوس ومعه مجموعة من رجاله، حيث تحدث عن وضع محافظة السويداء منذ بداية الثورة السورية متجاوزاً كل الخطوط الحمراء بالنسبة لنظام الأسد، وهذا ما أدى إلى انتشار الفيديو بشكل واسع النطاق بعد تهديد البلعوس من خلاله بشكل علني لرئيس فرع الأمن العسكري في السويداء وفيق ناصر، ومقارنته وطنية الطائفة الدرزية مع العلوية في سورية، وتركيزه على جملة “كرامتنا أغلى من بشار الأسد”.
وحيد البلعوس ومجموعته من المسلحين في السويداء أطلق عليهم شعبياً لقب “مشايخ الكرامة” مقابل مجموعة من مشايخ العقل الذين اتخذوا موقفاً واضحاً مع النظام منذ اندلاع الثورة السورية، في حين اختار وحيد البلعوس أو كما يلقبه أهالي السويداء أبو فهد، موقفاً أقرب للوسط بين المعارضة والنظام، لتتكرر مجموعة من الحوادث مع النظام فترسم شكل علاقة جديدا بين تلك المجموعة التي ولدت في جبل العرب، وشكلت حالة اجتماعية غريبة عن المنطقة، وبين نظام لا يفرق بين من والاه ومن عارضه.
رجال أبو فهد
مع بداية اندلاع الثورة السورية، وما أصاب النظام من خلل في تركيبة الجيش نتيجة الانشقاقات المتواصلة، وتخلف الشبان عن خدمة العلم في جيش النظام، بدأ الأخير بتجنيد الشباب في مختلف المحافظات وكانت إحداها السويداء؛ إضافة لما ظهر من مشاكل خطف متبادل بين درعا والسويداء والخلافات القديمة مع بدو المنطقة، وانتفاء عنصر الأمان نتيجة غياب الدولة بشكل مقصود أو غير مقصود، لتكون تلك النقاط أحد أهم الأسباب التي دفعت وحيد البلعوس لتشكيل مجموعة مسلحة.
يؤكد أحد المقربين من الشيخ البلعوس لـ”العربي الجديد”، أن “البلعوس رجل دين قبل الأحداث، لم يكن معروفاً، بدأ يظهر اسمه عندما بدأت حركات تسليح المشايخ الذين وضعوا عنوانا أنهم ليسوا موالاة ولا معارضة؛ وإنما يريدون دفع الحرب عن الجبل وحماية أهله، كما أنهم يرفضون أن يزج بشباب السويداء قسراً إلى الخدمة العسكرية، ووضعهم كطرف في حرب تاهت بوصلتها”.
ويضيف: “عندما توترت الأوضاع بين درعا والسويداء قام البلعوس في كثير من الأحيان بخطف أشخاص من درعا في السويداء، عندما يتم خطف أشخاص من السويداء في درعا، ليتم مبادلتهم، كما أن جميع من يخطف من السويداء يضع المخطوفين بعهدة الشيخ البلعوس، الذي يعاملهم أحسن معاملة ليتم مبادلتهم فيما بعد”.
أول صدام بين النظام والشيخ وحيد البلعوس، حصل خلال الانتخابات الرئاسية الماضية، عندما أجبر الأمن امرأة تعاني من اضطرابات عقلية من السويداء على حمل صورة بشار الأسد والرقص بها، عندها تدخل الشيخ البلعوس وعدد من رجاله وقاموا بتكسير الخيمة الانتخابية. وفيما بعد كانت ما سميت بمعركة “داما” بمثابة المفصل الذي حدد شكل العلاقة بين البلعوس والنظام، تلك المعركة التي قاتل فيها البلعوس إلى جانب قوات النظام ضد جبهة النصرة، بعد دخولها قرية داما ودير داما، حيث تم طرد النصرة منها. وبعد انتهاء المعركة اتهم الشيخ وحيد قوات النظام بخيانته وغدره وإطلاق الرصاص على رجاله من الخلف؛ ما أدى لمصرع خمسة منهم.
تكرر بعدها عدد من الحوادث حاول النظام فيها أخذ شبان للخدمة العسكرية، لكن المشايخ ومنهم البلعوس تدخلوا ومنعوا الأمن العسكري من أخذ الشباب، ما أدى للتصعيد بين النظام ورجال أبو فهد، وكان أبرزها حادثة ثكنة سد العين والتي كان البلعوس مشاركا فيها. آخر الحوادث هدم حاجز للمخابرات الجوية في السويداء على يد رجال البلعوس بعد محاولته اعتقال شاب من باص نقل داخلي وإهانته الناس على الحاجز، حيث أنذرهم البلعوس بإزالة الحاجز، لكن قوات النظام رفضت، ليقوم رجال البلعوس في اليوم التالي بالهجوم على الحاجز وهدمه بالقوة.
كل تلك الحوادث جعلت البلعوس شخصية شعبية في السويداء، خصوصاً مع إحساس الناس أنه يدافع عن كرامتهم، ما حدا بالكثير الانضمام إلى مجموعته، وأطلق عليه لقب شيخ الكرامة. في المقابل، كانت رد النظام على شعبية البلعوس المستمرة على حسابه أشبه بالتغاضي، ربما لأنه يعرف الأثر الكارثي للمساس برجل دين في محافظة السويداء، إلا أن الفترة الأخيرة وبحسب مصادر لـ “العربي الجديد” من داخل السويداء فإن رجال البلعوس محيطون بمنزله على مدار الساعة؛ خوفاً من اغتياله على يد النظام.
بين العقل والكرامة
في محافظة السويداء اليوم، ثلاثة مشايخ عقل هم حكمت الهجري ويوسف جربوع وحمود الحناوي. ومنذ بداية تشكيل مجموعة أبو فهد، بدأ الحديث عن توتر العلاقة بينهم وبين الشيخ البلعوس في ما يتعلق بالوقوف من النظام.
وفي هذا الإطار يوضح أحد المقربين من الشيخ وحيد البلعوس لـ”العربي الجديد”: “لقد أكد الشيخ وحيد البلعوس في بيانات رسمية سابقة ضرورة احترام هؤلاء المرجعيات، لكن في حدود العقل، على الرغم من محاولات هؤلاء المشايخ تحجيم البلعوس، إلا أنه سعى للتأكيد على احترامهم في سبيل عدم شق الصف في هذه الفترة الحرجة”.
في المقابل، تناقلت بعض وسائل التواصل الاجتماعي بياناً للمشايخ الثلاثة يقر بإبعاد وحيد البلعوس ورفضه، وتعليقاً على هذا البيان يوضح المصدر أنه “سواء صدر بيان واضح عن مشايخ العقل أم لم يصدر بخصوص استبعاد البلعوس، فهم يستبعدونه ضمنياً، مشايخ العقل هو منصب ديني استحدثته السلطنة العثمانية، وعموما معروف أنهم يد السلطة في البلد، علاقة البلعوس مع مشايخ العقل والزعماء التقليديين من أمراء ووجهاء هي علاقة سيئة، ليس للموقف السياسي فقط؛ وإنما لأنهم يسعون إلى تصغير أي شخص يحاول أن يلمع نجمه على حسابهم، خصوصاً وأن شعبيتهم أصبحت تضعف، فما عادت لهذه العائلات سلطة بسبب انحسار دور الإقطاع في الجبل”.
المعارضة والبلعوس
مع بداية إعلان البلعوس لمواقفه بشكل واضح والتصعيد الأخير مع قوات النظام في محافظة السويداء، حاولت جهات واسعة من المعارضة السورية تلقف موقف البلعوس واستغلاله لصالحها، وكان أول تلك المواقف من المجلس العسكري في درعا، المحافظة التي شهدت توتراً كبيراً مع رجال البلعوس في ما يخص خطف الشبان المتبادل، حيث أكد المجلس العسكري أنه “لا بد من نصرة البلعوس وتقديم العون له”، في حين تم الحديث عن قيام قائد “جيش الإسلام”، زهران علوش بعملية في سجن عدرا المركزي، تمكّن من خلالها من تحرير ثلاث سجينات من عائلة البلعوس كرد على مواقفه التي وصفها زهران علوش بالمشرفة.
كما علّق رئيس الحزب “التقدمي الاشتراكي” النائب اللبناني وليد جنبلاط، عبر “تويتر”، على بيان مشايخ الطائفة الدرزية ضد البلعوس قائلاً: “يا حيف على الرجال يا حيف. ثلاثة مشايخ عقل: الجربوع، الحناوي والهجري بتوجيه من الاستخبارات الجوية يصدرون بيان إبعاد للشيخ وحيد البلعوس”.
وأضاف جنبلاط، المعروف بتأييده لمواقف البلعوس: “أنتم يا حضرات المشايخ أبعدتم أنفسكم من النخوة والكرامة وتراث العمامة البيضاء، ودورها أيام الثورة العربية السورية، لكن رجال الجبل لن يقفوا عند فتوى لا قيمة لها”.
العربي الجديد – وطن اف ام