لعل مدينة القرداحة مسقط رأس النظام لم تتوقف عن استقبال جثامين أبنائها المقاتلين ضمن صفوف قوات النظام أو المنتمين إلى الميليشيات المدنية المسلحة، والتي تقاتل بجانب جيش النظام خلال أعوام الثورة السورية، إلا أن القرداحة استقبلت خلال اليومين الفائتين أرتالاً طويلة من قتلى المتطوعين في الجيش والميليشيات، وفاق عدد قتلى المدينة المئة وخمسين قتيلاً جلهم قضوا خلال سيطرة المعارضة السورية المسلحة على جسر الشغور في ريف إدلب، ومعسكر القرميد خلال الأيام القليلة الفائتة.
وشملت قوائم القتلى شتى المستويات العسكرية، متدرجة من الرتب العليا إلى المقاتلين المتطوعين ضمن ميليشيات الدفاع الوطني»، إضافة إلى أكثر من أربعمئة جريح متفاوتين بدرجات الإصابة من الحالات الحرجة إلى المتوسطة، الأمر الذي جعل الصفحات الإعلامية الموالية للنظام السوري تنشر عشرات الأسماء لضباط وجنود ومتطوعين قتلوا خلال المعارك التي دارت مع جيش الفتح المعارض في ريف إدلب خلال الأيام الفائتة، ولكن أعداداً كبيرة من نعوات القتلى اقتصرت على توثيق الأسماء فقط، دون الإشارة للصورة، الأمر الذي يظهر أن أعداداً من أولئك القتلى استقبلت القرداحة خبر مصرعهم فقط، مع تغييب لجثثهم التي بقيت في مناطق تمركزهم سابقاً في ريف إدلب.
مصادر إعلام النظام أكدت بدورها عن توالي وصول عشرات سيارات الإسعاف إلى مدينة اللاذقية قادمة من ريف إدلب، وهي محمّلة بالجرحى العسكريين» جراء المعارك الدائرة في جسر الشغور، وأورد إعلام النظام غير الرسمي أن القرداحة وعدة مناطق في اللاذقية تعيش حالة من الترقب والتوتر الشديد، عقب الأعداد الكبيرة من قتلى جيش النظام وميليشيات الدفاع الوطني على أيدي المعارضة السورية، رغم أن المصادر ذاتها أخفت خلال اليومين السابقين أعداد القتلى، إلا أن الموالين للأسد استعانوا بإعلام المعارضة المتمثل بعدد من التنسيقيات الإعلامية، والمصادر العامة المقربة من جيش الفتح لمعرفة مصير أبنائهم ان كانوا من بين القتلى أو الجرحى، وقاموا بنشر العديد من الصور للمقاتلين الذي قضوا أو ممن أسروا على أيدي المعارضة السورية.
وتناقلت مصادر الإعلام المحسوبة كلياً على النظام ، أن الوضع اليوم على ما يبدو اختلف تماماً عما كان عليه في أوقات سابقة من قوة عسكرية وبشرية ضخمة تتمتع بها تلك القوات، مشيرة إلى التقدم الكبير الذي تحرزه كتائب المعارضة في سهل الغاب شمالاً، وريف إدلب شرقاً وهو ما يشكل خطراً كبيراً بسبب طبيعتهم الجغرافية الملاصقة لريف اللاذقية معقل الأسد ومسقط رأسه، فبعد خسارة القوات الموالية للأسد لمدينة جسر الشغور أصبحت بوابة العبور إلى اللاذقية مفتوحة على مصراعيها تقريباً، نظراً لموقع المدينة الاستراتيجي الهام إذ تتاخم المدينة السفوح الشرقية لجبال اللاذقية، وتعد نقطة عبور طبيعية لها.
وخسارة المنطقة لوقت طويل يعني قطع طُرق الإمداد عن قوات النظام المتبقية في ريف إدلب من جهة، ومن جهة اخرى باتت المعارضة على بعد ثمانين كيلو متراً فقط من الساحل السوري، الأمر الذي يجعل الخطر محدق بكل ما تعنيه الكلمة من معنى بعرين الأسد الأكبر في القرداحة وما حولها، وازدياد الخشية من تكرار سيناريو إدلب في اللاذقية، نظراً للتغير السريع الذي يحققه مقاتلو جيش الفتح في جغرافيا سيطرة الجيش النظامي والميليشيات المساندة له.إلا أن قيادة النظام العسكرية سرعان ما سربت بعض الأخبار الهادفة لامتصاص غضب «الطائفة العلوية» مما جرى في ريف إدلب من هزائم، وتضاعف أعداد القتلى عشرات المرات خلال وقت وجيز، وأشارت الأخبار المسربة إلى إن قيادة الأسد العسكرية قامت بإرسال نخبة من ضباطها لحسم المعركة سريعاً في ريف إدلب، وعززت اللاذقية بعدد آخر من تلك النخب العســـكرية، بهدف طمأنة الموالين بأن جيش النظام ما زال قادراً على حمايتهم مما هو قادم.
وفي سبيل تهدئة روع المؤيدين للأسد تناقل إعلام النظام أخباراً عسكرية تفيد بتعزيز ميليشيات «الدفاع الوطني» لتواجدها على جبهة النبي يونس شمال شرقي اللاذقية، وكذلك إرسال عدد من النخب العسكرية إليه، وقالت ذات المصادر إنها نجحت في أوقات سابقة من صد هجمات المعارضة ، إلا أن الوضع الراهن قد شهد تغيراً كبير بسبب ما أنجزه «جيش الفتح» في ريف إدلب، لكن ميليشيات «الدفاع الوطني» توعدتب أنها حاضرة لمواجهة المعارضة وأنها لن تتخلى عن اللاذقية مهما كلفها الأمر من قتلى ومصابين، لتبقى ساحة اللاذقية والمناطق المحيطة بها تنتظر ما تخبئها لها الأيام المقبلة عقب نجاح المعارضة السورية في السيطرة على أماكن حيوية خلال فترة وجيزة بعد فشل محاولات عديدة سابقة للسيطرة عليها.
المصدر : القدس العربي