ما زالت أعداد المهجرين السوريين الواصلين إلى إدلب وجرابلس، شمالي سوريا، تزداد يوميا، وسط عجز المنظمات الإنسانية عن استيعاب هذا العدد الكبير منهم، وتوفير المتطلبات الأساسية للحياة.
وتبدأ الصعوبات الحياتية التي يعيشها النازحون من التأقلم مع مكان جديد للعيش أو إيجاد فرصة عمل، وصولا إلى سوء الخدمات في بعض المناطق، خصوصا في جرابلس، التي يعيش فيها النازحون أوضاعا صعبة، حيث تم إسكانهم في الخيام.
ومن يتمكن من النازحين، الذين جاء أغلبهم من حي الوعر في حمص ومناطق دمشق وريفها، من إيجاد منزل مستأجر، فسيكون سيئا جدا مبنيا من الحجر فقط، والكثير من هذه البيوت لا يوجد فيها مرافق صحية، ناهيك عن ارتفاع إيجاراتها التي تزيد عن 20 ألف ليرة شهريا، وهو المبلغ الذي يصعب أن يتمكن النازح الذي خرج صفر اليدين من بيته من تأمينه بشكل مستمر.
وتسببت هذه الأزمة الإنسانية في ظهور فئة منتفعة من مأساة هؤلاء، وتدعى فئة “السماسرة”، وهي تؤمن البيوت للمهجرين لقاء مبالغ مرتفعة. أما من لم يتمكن من دفع إيجار المنزل، فإنه يعيش في القرية الطينية أو قرية الهداية، حيث يأخذ مع عائلته غرفة مبنية من اللبن والحجر، والتي تكون أشبه بالأبنية القديمة المتهالكة، وضمن هذه الغرفة يوجد مطبخ وحمام.
وتقول رجاء، وهي إحدى المهجرات من حي الوعر : “قد يكون هذا الأمر سهلا على من كان يعيش مشردا في طرقات حي الوعر، إلا أن البعض لا يمكنه تقبل هذه الحياة، خاصة إن كان لديه منزل في حمص، وهذه الفئة هي أغلب من عاد إلى الوعر”.
مصطفى، شاب سوري قرر العودة مع أسرته من جرابلس إلى الوعر، بعدما عجز عن التكيف مع الحياة هناك، حيث لم يستطع أن يتم أسبوعين هناك، فأخذ زوجته وأطفاله وعاد إلى منزله.
ويقول مصطفى : “النظام يحاول جاهدا إعادة الحياة إلى طبيعتها في الوعر، بل إنه يسهّل العودة كما سهّل الخروج، فسهل دخول باصات العائدين إلى الوعر، وسهل للعائدين الخروج والدخول إليها، وعادت الكهرباء لتخدم الأهالي هناك”، وفق قوله.
عندما وجد مصطفى أن حياته قد تكون أقل معاناة في الوعر من جرابلس عاد إليها، لا سيما أنه رفض تماما فكرة أن يدخل أحد ليسرق بيته، أي عملية “التعفيش” التي يقوم بها عناصر مليشيات النظام (الشبيحة) في المناطق التي هجر أهلها.
ويضيف: “إن عدت إلى بيتي مع أسرتي، وتمكنت من بناء حياتي من جديد، فسيكون أهون عليّ أن أعيش في بلدة غريبة، لا سيما أني خرجت مع الخارجين من الوعر دون إثبات أي تهمة علي، لكن خشية من إجباري على الالتحاق في صفوف الاحتياط عند قوات النظام”، كما يقول.
وتشير رجاء، من جهتها، إلى أن نظام الأسد يعمل جاهدا لإغراء الأهالي النازحين من الوعر للعودة إليه، وهو ما يرى فيه كثيرون محاولة لترسيخ سلطته وترويج فكرة أن يستوعب الجميع.
أما صفاء التي خرجت مع زوجها إلى ريف إدلب، فتقول: “كان في نيتنا أن نذهب إلى إدلب، ومنها إلى تركيا، إلا أن صعوبة الطريق الواصلة إلى تركيا، والمبالغ الخيالية التي يطلبها المهربون، جعلتنا نتراجع عن هذه الفكرة”.
وتضيف: “حاولنا طيلة شهر ونصف أن نؤمن عملا لنا في المدينة، لكن زوجي عجز عن إيجاد فرصة عمل له، أما أنا فلن أتمكن من العمل مع ثلاثة أطفال، َيضاف إلى ذلك أننا تركنا بيتنا فارغا في الوعر، وخشينا أن نمنع من العودة إليه، أو يصدر النظام قرارات جديدة تنص على عودة ملكية هذه البيوت والأراضي له، واعتبارنا إرهابيين وعملاء، فتكون هذه القرارات مكملة للقرارات التي يصدرها الأسد تباعا”.
وتوضح صفاء أن المكوث في خيمة والإحساس بعدم الاستقرار بشكل مستمر، يتسبب بمشكلات إضافية، حتى أنها دوما تشعر أن عليها الرحيل، وهو ما اختارته صفاء بالنهاية.. العودة إلى الوعر، وإن كان مستقبلها وزوجها مجهولا هناك.
لكن على الرغم من أن الشكاوى المستمرة من النازحين، إلا أن هناك من يرى في الخدمات التي تقدمها الجمعيات والمنظمات الإنسانية في الشمال السوري “عملا جبارا”. كما أن الكثيرين وجدوا الحياة في إدلب وغيرها متكاملة، قياسا لما عانوه في الوعر أو مناطق أخرى هُجروا منها، وهذا ما تؤكده رجاء التي كانت قد نوت أن تسافر مع زوجها إلى تركيا عقب وصولها، إلا أنها غيرت رأيها بعد القصص التي سمعتها من استهداف للهاربين عبر الحدود، مع أملها في أن تجد فرصة عمل مع إحدى المنظمات تبدأ بها حياتها من جديد.
وطن اف ام / عربي 21