يبدي الوسط الفني في دمشق إستغرابه من قرار رقابة البرامج في التلفزيون السوري منع عرض مسلسل «عناية مشددة» على محطّاته. فقد أثار القرار تساؤلات كبيرة حول الأسباب الحقيقة وراءه منذ تسريب الخبر للصحافة ووسائط التواصل الإجتماعي اول امس .
ويرصد المسلسل، وهو من تأليف يامن الحجلي وعلي وجيه وإخراج أحمد إبراهيم أحمد وإنتاج شركة قبنض، يوميّات المواطن السوري في ظل الحرب وما آلت إليه بنية المجتمع السوري حالياً وذلك عبر شخصياتٍ تتسم بمطلق العنف الدموية والإنتهازية واللا إنسانية ونقائضها. كما يفرد العمل مساحة لقصص الحب والتحولات في العلاقات العائلية وأوضاع النازحين ليدعو لـ»المصالحة» في نهاية المطاف. وواجه المسلسل، الذي إستغرق العمل عليه قرابة العامين، صعوباتٍ كبيرة لإجازة النص من جانب رقابة النصوص ومنح الإذن بإنطلاقة تصويره بعد إجراء بعض التعديلات.
كذلك لم يكن تصويره سهلاً. فقد واجه فريقه من فنيين وممثلين مخاطر تهددت حياتهم أكثر من مرّة اذ تم التصوير بالكامل على الأراضي السوريّة وفي مناطق ساخنة ليطيح قرار رقابة البرامج في التلفزيون السوري بكل هذه الجهود وسط إجابات غير مقنعة. ومن هذه أنّ إجازة التصوير لا تعني بالضرورة منح الإذن بالعرض.
هكذا تبدو صناعة عملٍ تلفزيوني سوري جاد يحاول بموضوعية رصد ما يجري في البلاد خلال المرحلة الحالية أمراً بالغ التعقيد ورهيناً لمعايير الرقابة الرسمية المرحلية وشروط المحطّات الخارجية وإملاءاتها المباشرة وغير المباشرة وتدخلاتها في النصوص والشكل الفني واختيارات النجوم.
وهكذا لن يبدو مستغرباً بعد اليوم رؤية المزيد من أعمال كـ «صرخة روح» وأخواته ونسخ كثيرة جداً مستنسخة لأقصى درجات الملل عن «باب الحارة» تكرس في عقول المشاهدين عن سبق الإصرار صورةً يتم الإيغال بحفرها لمجتمع متخلفٍ متفسّخ يضع قدميه في حاراتٍ افتراضية ترسم ملامحها بما يجافي الحقائق التاريخية.
مدير رقابة البرامج في تلفزيون النظام السوري صرح بأن قرارهم منع عرض المسلسل على المحطّات الرسمية السوريّة أتى نتيجة «عدم توافق العمل مع المعايير المعمول بها لدى الرقابة لإجازة العرض». ولدى سؤاله عن المعايير التي خالفها مسلسل وبني عليها عدم إجازة عرضه؟ أجاب: «لسنا مضطرين لنشر معاييرنا في الإعلام ويكفي أن نقول إنّ هذا العمل غير متوافق معها».
هكذا تبقى هذه المعايير غامضة وما يبنى عليها من قرارات المنع أو الإجازة عصيّاً على التفسير خلال السنوات الأخيرة والتي كشفت عن كون رقابة التلفزيون السوري باتت أكثر تشدداً مقارنةً بسنوات ما قبل اندلاع الأحداث في سوريا. وهذا يذكر بما حدث مع مسلسلاتٍ سابقة كمسلسل «سنعود بعد قليل» سنة 2013.
ويقول مخرج العمل أحمد ابراهيم أحمد: «عندما نقدّم الحكايات والخطوط التي تلامس المشاهد لا نفعل ذلك بقصد الإساءة إلى أحد أو خدش إحساس أي مواطن يمر بهذه الأزمة. ما نفعله هو تقديم حكايات حقيقية، وقد تكون أحداث أفظع مما نقدمها جرت فعلاً. والسؤال هنا: عندما نطرح هذه القصص هل نفعل ذلك بصدق أم لمجرد التشويق والإثارة؟ بالطبع نفعل ذلك بصدق لكننا لا نقدمها بقصد إعادة التذكير بأوجاع الناس. فالوجع لا يُنسى وهو قائم».
ويضيف: «هناك خط له علاقة بشخص لم يعد لديه منزل. فينام في الحديقة ومن خلاله نرى بعض المهجرين الذين ينامون في الحدائق فنرصد حياتهم وكيف يتعامل المجتمع معهم».
وفي الموسم الدرامي الأخير كان هناك شبه إصطفاف عند المشاهدين السوريين مع الأعمال التي تناولت الأزمة بين «مع وضد». فالجميع مهموم بمعرفة كيف يعيش الناس وسط أزمة إنطلقت منذ العام 2011؟ ما الهموم اليومية التي يعانونها؟ كيف يسيّرون أمورهم، وما هي تداعيات الأحداث الحالية عليهم؟
كلها تساؤلات تشكل العمود الفقري لمسلسل «عناية مشددة» وقد تحتاج الى عشرات المسلسلات لرصد الواقع السوري المأزم سياسيا واقتصاديا وإجتماعيا. ويرى مخرج العمل أنه «إذا لم يكن لديك أمل فلن تحقق شيئاً. ونحن نثق بأن هناك أملاً. فعلى قدر ما يلامس المسلسل الواقع يقول إن هناك أملاً».
المصدر : القدس العربي