اطلب من الناس ذكر اسم شخص يرونه ساحراً أو يمتلك الجاذبية، وغالباً ما ستكون الإجابات قابلة للتنبؤ، هناك مثلاً جيمس بوند، الجاسوس الخيالي، وربما يذكرون كذلك أوبرا وينفري، أو بيل كلينتون، أو شخصية تاريخية، مثل القس الدكتور مارتن لوثر كينج جونيور، أو المهاتما غاندي. والآن، اطلب من الأشخاص أنفسهم أن يصفوا -في بضع ثوانٍ فقط- ما يجعل هؤلاء الأشخاص الساحرين موضع إعجاب فائق.
الجاذبية، وغالباً ما ستكون الإجابات قابلة للتنبؤ، هناك مثلاً جيمس بوند، الجاسوس الخيالي، وربما يذكرون كذلك أوبرا وينفري، أو بيل كلينتون، أو شخصية تاريخية، مثل القس الدكتور مارتن لوثر كينج جونيور، أو المهاتما غاندي. والآن، اطلب من الأشخاص أنفسهم أن يصفوا -في بضع ثوانٍ فقط- ما يجعل هؤلاء الأشخاص الساحرين موضع إعجاب فائق.
هنا، تحديداً حين يتطرَّق الحديث لتعريف ما هي «الكاريزما» على وجه التحديد تظهر المشكلة، فبشكلٍ غريزي نعلم أننا ننجذب إلى أشخاص معينين أكثر من غيرهم، ولكن معرفة السبب الذي نحبهم لأجله هو شأن مختلف تماماً.
بحسب ما نشرت صحيفة New York Times الأمريكية، وصف الإغريق القدماء الكاريزما بأنها «نعمة من الرب»، وهو وصف مناسب إذا كنت تعتقد أن القدرة على نيل إعجاب الآخرين هي سمة وهبها الله بالفطرة للبعض دون البعض الآخر، ولكن الحقيقة هي أن الكاريزما سلوك مُكتسَب، ومهارة يجب تطويرها مثلما هو الحال مع تعلمنا المشي أو التدرّب على استخدام المفردات عند دراسة لغة جديدة. ولا شك في أن السمات الأخرى المرغوبة، مثل الثروة أو المظهر الخارجي ترتبط بكسب البعض إعجاب الآخرين، ولكن إذا وُلِدت دون تلك السمات فهذا لا يمنعك من أن تحظى بالكاريزما.
مقاييس الكاريزما
على الرغم من كل الجهد المبذول لمعرفة مقاييس الكاريزما أو الجاذبية في الأشخاص، والتي درسها خبراء على مرِّ العصور -من بينهم أفلاطون وآخرون تحدّثوا معنا من أجل إعداد هذا المقال- لا يزال هناك الكثير من الأمور المجهولة، ومع ذلك، فهناك حقيقتان لا غبار عليهما.
الحقيقة الأولى: هي أننا ننجذب إلى بعض الناس على نحو يكاد يوصف بأنه خارق للطبيعة، وخاصة لأولئك الذين نحبهم. ورغم أن هذا ليس هو الحال دائماً يمكننا بسهولة أن ننجذب أيضاً لأوغاد يحظون بالكاريزما.
والحقيقة الثانية: هي أننا شديدو السوء حين يتعلّق الأمر بمعرفة السبب الحقيقي الذي يجعل هؤلاء الناس جذَّابين للغاية. فإن تجاوزنا الأمور السطحية -مثل الابتسامة اللطيفة أو القدرة على سرد قصة جيدة- يستطيع القليل منا فحسب تحديد السبب الذي يجعل الأشخاص الكاريزميين جذَّابين للغاية.
وربما يكون الأمر متعلِّقاً بتتطوّرنا البيولوجي، فبصفتنا نوعاً بشرياً تؤدي المشاعر الغريزية الفطرية إلى أشياء نصفها غالباً كمشاعر داخلية كامنة، وتلك المشاعر هي في الواقع استجابة لا واعية لعشرات، أو ربما المئات، من الإشارات اللفظية وغير اللفظية التي نعالجها بشكل غير مدرك في كل تفاعل مع الآخرين. إنها مهارة ضرورية تتيح لجميع الثدييات تقييم نية الآخرين من خلال إجراء فحص تفصيلي مستمر لأشياء مثل لغة الجسد، وتيرة الكلام، والحركات الدقيقة التي قد تنمّ عن تهديد.
يلاحظ جون أنتوناكيس، أستاذ السلوك التنظيمي في جامعة لوزان في سويسرا، أن الكاريزما في أبسط صورها، هي عملية تحويل المعلومات إلى إشارات. وقال: «في الأساس تتعلَّق الكاريزما بتأشير المعلومات بطريقة رمزية وعاطفية قائمة على القيمة، ومن ثمّ فإن إشارات الكاريزما تتعلّق باستخدام تقنيات إما لفظية -تتعلّق بما يقولونه- أو غير لفظية» .
وعلى سبيل المقارنة، ما وصفه الدكتور أنتوناكيس هو في الأساس نسخة أبسط من استجابة الكرّ والفرّ. ولكن بدلاً من الكرّ أو الفرّ، فإننا نتخذ قرارات متناهية الصغر حول ما إذا كان الشخص الذي يطلب اهتمامنا يستحق ذلك.
الركائز الثلاث للكاريزما وكيفية ممارسة كل منها
تقول أوليفيا فوكس كابان، وهي مدربة كاريزما ومؤلفة كتاب «The Charisma Myth»، إن بإمكاننا اختصار السلوك الكاريزمي في ثلاث ركائز.
الركيزة الأولى في الوجود، وهي تتعلّق بالحضور خلال لحظات التواصل، فحين تجد انتباهك يتشدد أثناء التحدّث إلى شخص ما، استعد انتباهك من خلال التركيز على نفسك. وانتبه للأصوات الموجودة فيما يحيط بك وأنفاسك والأحاسيس الدقيقة في جسمك، الوخز الذي يبدأ في أصابع قدميك ويشع أثره في أنحاء بدنك.
أما الركيزة الثانية فهي القوّة، وتنطوي على تحطيم الحواجز التي تفرضها على ذاتك بدلاً من تحقيق مكانة أعلى. ويتعلق الأمر برفع الوصمة التي تأتي بالنجاح الذي حققته بالفعل. وتُذكر هنا ما يُعرف بـ «متلازمة الدجال«، وهي الخوف من عدم استحقاقك للمكان الذي أنت فيه، وكلّما ارتفعت مكانتك، أصبح ذلك الشعور طاغياً عليك.
والأساس في هذه الركيزة هو إبعاد الشكِّ في الذات، وأن تؤكد لنفسك أنك تنتمي إلى مكانتك التي وصلت إليها، وأن مهاراتك وعواطفك ذات قيمة ومثيرة لاهتمام الآخرين. ولكن القول أسهل من الفعل في هذا الشأن.
والركيزة الثالثة هي الدفء، وهو أمر تزداد صعوبة تصنّعه، وهذه الركيزة تتطلّب أن تشع نوعاً معيناً من الحيوية التي تشير إلى اللطف والقبول، إنه الشعور الذي قد تناله من قريب أو صديق عزيز، وهو صعب، لاسيما بالنظر إلى أن أولئك الذين يتفوقون في الكاريزما هم أشخاص يستحضرون هذا الشعور في نفوس الآخرين، حتى إذا كانوا قد التقوا للتو.
ومن أجل إتقان هذه الركيزة، تقترح كابان تخيّل شخص تشعر تجاهه بالدفء والحنان، ثم تركز على أكثر ما تستمتع به بشأن تواصلكما المشترك، ويمكنك القيام بذلك قبل التفاعل مع الناس، أو في فترات قصيرة أثناء الاستماع إلى شخص آخر يتحدث. فإن كابان تقول إن هذا يمكنه تغيير كيمياء الجسم في ثوانٍ، مما يجعل حتى الأفراد الأكثر انطوائية بيننا يبدون نوع الدفء المرتبط بالأشخاص الذين يتمتعون بجاذبية عالية.
نظرة من أعلى
بإلقاء نظرة على الركائز الثلاث، يتبيَّن أنَّ الأشخاص الأكثر جاذبية الذين تعرفهم على المستوى الشخصي قد حقَّقوا مستوى نجاح كبير في سمة واحدة، أو ربما اثنتين من هذه السمات. ولكن عدداً قليلاً نادراً منهم أتقن الثلاثة.
فقد أبدى الدكتور كينغ، على سبيل المثال، علامات إتقان في كل من هذه الركائز، مما يجعله في التصنيف النادر الذي تسميه كابان بـ «الكاريزما المثالية» .
إذا كان هذا هو الجزء العلوي من الهرم، حين يحين الحديث عن الكاريزما، فستكون الأمثلة الثلاثة التالية في مكان ما في الوسط.
أظهر ستيف جوبز، المؤسس المشارك لشركة أبل، إتقانه لركيزة القوّة وأبدى علامات بارزة لإتقانه كاريزما الحضور، ومع ذلك، وفقاً لابنته ليزا برينان جوبز، في مذكراتها التي نشرتها في عام 2018 بعنوان «Small Fry»، كان يفتقر إلى الدفء. ويفتقر الرئيس التنفيذي لشركة تسلا، إيلون مسك، أيضاً إلى الدفء؛ إذ إنه انطوائي كلاسيكي يعوض افتقاره لتلك المهارة بإتقان الحضور ومستوى قوة أعلى من المتوسط.
ووفقاً لكابان، من الأفضل تصنيف جوبز كشخص ينعم بـ «كاريزما القوّة»، في حين أن مسك لديه «كاريزما التركيز» .
وهناك أشخاص مثل إميليا كلارك، التي لعبت دور البطولة في حلقات «Game of Thrones» التي تعرضها شبكة HBO، وتعزى جذور «الكاريزما اللطف» إلى حماسية كلارك، وهي تصنيف يشمل أولئك الذين يتفوقون في ركيزة الدفء، إلى جانب الحضور العالي على الرغم من المستويات المنخفضة من القوّة.
هذه ليست أكثر من صورة عامّة للأمر بالطبع. لكن المهم الذي نستخلصه من هنا هو أن الكاريزما ليست شيئاً فريداً، بل من الأفضل التفكير بشأنها بنفس الطريقة التي تفكر بها بشأن الذكاء، فمثلاً: تحقيق درجات عالية في الرياضيات والعلوم هو إشارة إلى الذكاء، وهكذا هو الأمر مع إتقان الفن أو الموسيقى. ولا تؤدّي محاولة مقارنة شخص ذكي بشخص آخر إلا إلى المزيد من الالتباس، ويمكن قول الشيء نفسه عن الكاريزما.
التدريب على الكاريزما: نسخة في متناول يدك!
إذا كنت تبحث عن نقطة انطلاق جيدة لتكون محبوباً بدرجة أكبر، يقترح الدكتور أنتوناكيس سرد القصص.
إذ يقول إن الأشخاص الأكثر جاذبية ممن حولك هم أولئك الذين يتحدثون بطلاقة، ويقدمون مادة للمحادثة من خلال الاستخدام المثالي للحكايات والمقارنات. إنهم لا يعيدون سرد الأحداث، ولكنهم يعيدون صياغة العمل بينما يستخدمون إيماءات الوجه ولغة الجسد المفعمة بالحيوية، والتأثيرات الصوتية لرسم إطار النقاط الرئيسية في حديثهم. إنهم خبراء في استخدام المعتقدات الأخلاقية وانعكاسات شعور المجموعة، بالإضافة إلى براعتهم في توظيف أسئلة، حتى تلك الأسئلة البلاغية التي تُشرِك الناس في المناقشة، باختصار.. إنهم يروون قصّة جيدة.
في الواقع، يطوف بالأذهان موضوعٌ أثناء التحدث إلى الخبراء في الكاريزما، وهو سؤال يعرفه على الفور أي شخص أخذ دورة في التحدث أمام الجمهور أو جلس في أحد اجتماعات توستماسترز التعليمية، وهو أن الأشخاص الأكثر جاذبية غالباً ما يكونون هم المتحدّثين الأكثر تأثيراً على الجمهور.
ولكن الكاريزما تتعدى اختزالها في متحدّث جذاب يتمكّن من إشراك الجمهور، والأشخاص الذين ينعمون بالكاريزما محبوبون، ليس فقط لأنهم يستطيعون سرد قصة جيدة، بل كذلك بسبب الشعور الذي يخلفونه في نفوس الآخرين، وبصرف النظر عن روح الدعابة وإشراك الحضور، فإن الأشخاص الكاريزميين قادرون على التصدّي لعوامل التشتيت، مما يجعل الذين يتفاعلون معهم يشعرون كما لو أن الوقت قد توقّف وأنهم الأهم. إنهم يجعلون الناس يشعرون بالراحة تجاه أنفسهم، مما يجعلهم يعودون للتفاعل مع هؤلاء الجذابين مُستقبلاً، أو يمدّون نطاق التفاعلات الحالية، وهذا يحدث فقط إذا كانوا يستمتعون بهذه اللحظات.
وأسرع طريقة لتكون فرصتك أكبر في الحصول على الإعجاب هي أن تنطلق وتمارس الأمر، والأمر يبدأ في المنزل، بإبعاد شكّك في ذاتك، واستبداله بالتركيز على أن تكون مشاركاً نشطاً في المحادثات والتفاعلات مع الآخرين.
ومن تلك النقطة، سيتطلَّب الأمر أكثر من قبول المزيد من الدعوات الاجتماعية، والانضمام إلى فصول تعلّم الخطابة العامة (أو مجموعة محلية مثل Toastmasters)، والاستمرار في البحث عن طرق لإظهار نقاط قوتك، بينما تترك وراءك نقاط الضعف. فإن كل تفاعل يقدّم لك فرصة للممارسة، ولدراسة وتوظيف استراتيجيات جديدة.
والأمر يشبه إلى حدٍّ كبير تعلُّم أي مهارة أخرى، في بعض الأحيان سوف تسير على ما يرام وغالباً لن تفلح، خاصةً في البداية. ولكن إذا كنت تعتقد أن الكاريزما هي شجرة تتسلّقها حين تكتسب المهارة، فإن كل جلسة تدريب ستكون مجرّد وسيلة لمعرفة العديد من الطرق لإنجاز غايتك.