ولد الشاعر وصفي القرنفلي في حي من أحياء مدينة حمص القديمة عام 1911 وفيها تلقى علومه الابتدائية والإعدادية والثانوية، ثم التحق بوظيفة في دائرة المساحة في حمص إلى أن ألزمه المرض العضال الفراش سنوات عدة حتى وافته المنية في أحد أيام كانون الأول من عام 1971 بعد أن كرمته الدولة بمنحه وسام الاستحقاق السوري الذي علقته على صدره وزارة الثقافة تكريماً لدوره الطليعي في حركة الشعر العربي المعاصر، وكان وصفي القرنفلي يمثل بعد تفتح وعيه القومي على نكسات الحروب وجشع الطبقة الإقطاعية المستغِلة لتعب الكادحين وعرقهم، مما جعل صوته يرتفع منادياً بالعدالة الإنسانية والحرية المطلقة للشعوب المقهورة، وانسلت روح الشاعر من جسده ليمضي إلى حضن أمه الأرض غريباً أبياً أمنيته الأخيرة أن تنقش هذه الأبيات على قبره :
لقد غدوتُ ترابأ لا يحركني
بيت من الشعر أو زهر على فنن
حسبي ـ ولا حسب ـ خلف القبر متكئي
في حضن أمي وأني في ثرى وطني
وأني كنتُ ـ والأحرار ـ تعرفني
حراً أضأت دروبَ الشعر في زمني
سقوط الستارة :
شارك الشاعر الراحل الكبير #نزار_قباني في حفل تأبين وصفي القرنفلي الذي أقيم في حمص بكلمة كحد السيف تقطر مرارةً وألماً وحزناً على رحيل صديقه قرنفلي وهي تعتبر من أجمل كلمات الرثاء وأكثرها صدقاً وشفافية لأنها لامست هموم الجماهير العربية وغاصت في عمق الجرح العربي.
ولم تنشر هذه الكلمة من قبل لأنها كانت ارتجالية، وقد عثرنا على نسخة مكتوبة لدى أحد أصدقاء الشاعر وصفي القرنفلي وهو الأديب الراحل يوسف الحاج الذي كان حاضراً في حفل تأبينه، ويقول الشاعر الراحل نزار قباني في كلمته هذه : ( في طريقي من بيروت إلى حمص كان سؤال شرس ونزق ولئيم يثقب جمجمتي، لماذا يجتمع الشعراء العرب دائماً على مائدة الموت ، ولا يجتمعون على مائدة الحياة ؟ هل قدرهم المسطر في اللوح المحفوظ أن يحملوا أجساد زملائهم على أكتافهم ويطمروها في السر حتى لا يراهم التاريخ ولا تراهم المروءات ؟ . هل هناك اتفاق مكتوب أو شبه مكتوب يحتم على الشعراء العرب أن يكونوا في حال حداد دائم .. وألا يتعانقوا إلا بعد سقوط الستارة وانصراف المتفرجين .. هل قدر الشاعر العربي أن يموت هذا الموت الدراماتيكي فلا تتعرف على جثته وعلاماته الفارقة وأوراقه الثبوتية سوى ديدان الأرض وأسراب النحل وكواسر الطير … هل العالم العربي لا اليونان هو وطن التراجيديا .. وهل على شعرائنا أن يلاقوا مصير هاملت ، ويطعنوا في ظهورهم كيوليوس قيصر ؟.
وايضا ناجى الشاعر نزار قباني صديقه الراحل قائلاً : أيها الشاعر الصديق ، لم أقطع مئات الأميال لأبكيك، فلا أجيد حرفة البكاء، ولا أنت تقبل مذلة الدموع، ولكنني أتيت لأهنئك لأن جهازك العصبي قد توقف عن الفعل والانفعال، وأعصابك لم تعد كأعواد الكبريت قابلة للاشتعال في كل لحظة … أنت رميت نفسك من قطار الذاكرة ونجوت في زمن لا يُسمح لنا أن ننتصر .. ولا يُسمح لنا أن ننتحر . هنيئاً لك أيها الشاعر ، فقد صرت في منطقة لا تصل إليها صحف عربية ، ولا تُعقد فيها مؤتمرات عربية ، ولا تُصدر فيها بلاغات عربية ، من حسن حظك أنك أخذت إجازة من حواسك الخمس .. وما زلت مضطراً مع الأسف أن أفتح شراييني وأكتب : يا صديقي وصفي .. لقد اتّحد وجعك بوجعي ، وتداخل موتك بموتي ، حتى لم أعد أدري من يرثي من ..!