في محاولة منها لمواجهة رفض اللاجئين السوريين في مجتمعات بعض مدن ألمانيا، فتحت إذاعة ألمانية أبوابها أمام اللاجئين للحديث عن تجاربهم في سوريا وتعريف المستمعين الألمان بها، بهدف بناء جسور الثقة بين اللاجئين والألمان.
يجلس الشاب السوري جمعة أمام ميكروفون أحد الإذاعات الألمانية المحلية فيقول باللغة الألمانية: “أتيت إلى هنا، بحثاً عن الحرية والديمقراطية، بعد أن اشتعلت الحرب في بلادي. عمري 35 سنة.
أنا مختصٌ في المعلوماتية، عملت لسنوات طويلة في بلدي قبل أن أضطر إلى ترك مدينتي، التي تعاني حالياً من أوضاعٍ صعبة للغاية”.
حديث جمعة – وقد وصل حديثاً إلى ألمانيا- عن بلده سوريا كان على هامش حلقته في برنامج “بين الغربة والوطن” الإذاعي، الذي يعده ويقدمه عددٌ من الشباب السوري باللغتين الألمانية والإنكليزية، في محاولة للتعريف بوضع اللاجئ السوري في ألمانيا وبناء جسور الثقة بين الطرفين الألماني والسوري.
برنامج لحل مشكلة اجتماعية
واجه اللاجئون السوريون الشباب عند انتقالهم إلى مدينة سالفيلد بولاية تورنغن الألمانية عدم ترحيب سكانها، إذ رفض سكان المدينة اللاجئين بينهم. سالفليد ربما لم تكن الوحيدة في ذلك، ما دفع المعنيين والداعمين للجوء السوريين في ألمانيا إلى البحث عن وسائل للتقريب بين الطرفين وتشكيل وجهة نظر حقيقية واقعية عن أوضاع السوريين في بلادهم والأسباب التي دفعتهم إلى الهروب واللجوء إلى ألمانيا ،ومن هنا أتت فكرة البرنامج.
ووجهة النظر الواقعية هذه يسعى إليها أيضاً يورغ زورغه، مدير قسم البرامج في محطة SRB، الذي يرى أنها ستقرب بين اللاجئين السوريين وبين سكان مدينة سالفيلد، “حيث يستاء عدد منهم للأسف الشديد من وجود الأجانب واللاجئين”.
ويرى زورغه أن توافر المعلومات عن سوريا وهذه الحكايات التي يرويها السوريون عن بلادهم “يشكلان أساساً مهماً للتفاهم وتفهم الآخر، ومن هنا جاءت فكرة برنامج بين الغربة والوطن”. ويبدأ البرنامج عادة بجملة “أنا عمار أتيت مع أصدقائي لأخبركم عن الوضع في بلدي سوريا”، فمن خلال البرنامج يحاول السوريون تقديم تقاريرهم عن المراحل التي مرت بها سوريا من وجهة نظرهم، قبل الحرب وبعدها وأسباب اللجوء في بلاد الجوار.
كما يتطرق البرنامج بشكل مباشر إلى نظام الأسد والطريقة التي أجاب بها على التظاهرات في البداية، موظفاً الكثير من المؤثرات الصوتية التي تلعب دوراً في إيصال قصص اللاجئين، إضافة إلى مقاطع موسيقية وغنائية عربية.
تجارب صادمة
وإضافة إلى تجاوز الخوف عند الحديث علناً عن سوريا، كانت معاناة السوريين بالإفصاح عن مشاكلهم ومشاعرهم كبيرة للغاية، حيث لازال يتملك الكثيرين منهم رعب حقيقي للحديث علناً في وسائل الإعلام، خوفاً إما من بطش النظام أو من انتقام “داعش”، وهو ما يدفع أحد اللاجئين إلى القول: “أقرأ تهديدات داعشية على مواد صحفية منشورة في المواقع الالكترونية الألمانية، وأخاف من أن يطال الأذى عائلتي في سوريا”.
ويقول آخر: “حتى عندما كنت في لبنان، لم أكن أجرؤ على التعبير عن رأيي علناً. وفيما يخص معارضتي للنظام السوري فهذه هي المرة الأولى”.
من جانبه يقول زورغه عن صعوبة التحدث علناً عن المآسي التي عاشها هؤلاء اللاجئون بسبب النظام وتنظيم “داعش”: “كانت الصعوبة الأكبر هي أنهم سيتحدثون للمرة الأولى علناً عن التجارب التي عاشوها، لكننا تجاوزناها بعد أن تحدث فريق العمل إلى الشباب”.
لكن الإعلامي الألماني يضيف أنه صدم مما رواه الشباب، مندهشاً في الوقت نفسه من عزيمتهم في خوضهم لكل هذه التجارب.
صعوبة الحديث بالألمانية
وبالتأكيد فإن إنجاز مشروع من هذا النوع يتطلب تعاوناً بين جميع الأطراف حتى يخرج للعلن بأحسن طريقة ممكنة، لكن برزت أمام فريق العمل والشباب السوري مشكلة اللغة.
لهذا السبب قررت مجموعة من الشباب إنجاز مداخلاتهم باللغة الإنكليزية، فيما أصر آخرون على الحديث باللغة الألمانية.
في هذا السياق يقول جمعة: “هذه هي المرة الأولى التي أتكلم فيها عن الوضع السوري علناً بدون خوف، رغم أن الحديث باللغة الألمانية من الأمور الصعبة”. وهدف جمعة والمشاركين الآخرين من الحديث باللغة الألمانية هو الإيحاء بأن اللاجئ السوري قادر على التعلم والعطاء والاندماج في مجتمعه الجديد.
كما وجد آخرون أن التكلم بلغة ألمانية ركيكة قد يضعف مضمون البرنامج وإمكانية إيصال تأثير قصصهم، لذلك تُركت حرية الاختيار لهم بين الألمانية أو الإنجليزية.
بنيامين شيلر، أحد المذيعين المشرفين على البرنامج، عمل على تدريب الشباب على الأمور التقنية وطريقة الإلقاء الإذاعي، كما أن الشباب لم يمض على وجودهم في ألمانيا وقت طويل، وبالتالي فهم غير متمكنين من اللغة الألمانية.
هذا الأمر أضطر شيلر إلى عقد جلسات خاصة معهم للتدريب على تلفظ الكلمات الألمانية الصعبة والجمل المعقدة.
ويعتبر شيلر أنه من البديهي أن تكون هناك مشكلات باللغة وأخرى بطبيعة العمل الإذاعي نفسه، ويقول عن ذلك: “أنا شخصياً تدربت طويلاً حتى تعلمت كيف أكون مسترخياً أمام الميكروفون، وأنتبه لعدم إحداث أي خربشة تؤثر على نقاوة الصوت”.
وعن انطباعاته من العمل مع اللاجئين السوريين يوضح شيلر أن هذه التجربة أضافت له الكثير على الصعيد الشخصي والمهني، “منحتني رؤية أكثر وضوحاً عن الظروف التي أدت إلى تظاهر الشعب السوري في البداية ضد النظام، وعن الظروف التي أسفرت عن الحرب الأهلية الدائرة حالياً، كما أعطتني لمحة عن الطوائف في سوريا”.
ويبقى من المؤكد أن محاولة السوريين توضيح أوضاعهم قبل الحرب وبعدها من الأمور التي تنعكس إيجابياً على تقبل المجتمع الألماني لهم، وخاصة في المدن الصغيرة، وتمهد لعلاقة جيدة بينهم وبين مجتمعاتهم الجديدة.
المصدر : DW