الدومري وهي مهنة تراثية قديمة أصبحت نسياً منسياً بعد دخول الكهرباء إلى كل مرافق الحياة العامة والخاصة، وهذه الكلمة تركية الأصل وتعني “الفوانيسي” أو الرجل الذي يشعل الفوانيس في الأزقة والحارات القديمة قبل أن يتحف “أديسون” العالم باختراعه الأعجوبة “الكهرباء”، ويقلب الحياة رأساً على عقب.
في النصف الثاني من القرن الثامن عشر كان السراج الفخاري الوسيلة الوحيدة للإنارة، بعد أن يُملأ زيتاً وتوضع فيه فتيلة ويشعل، وكان هذا السراج هو المصباح الوحيد لجميع الطبقات، وفي الدور الكبيرة كانت الشموع وسيلة الإنارة حيث تُجعل حزماً تُعلق في الأماكن الرطبة وتُوضع في الشمعدان المصنوع من النحاس الأصفر واستُعملت قناديل صغيرة ذات علب معدنية مملوءة بزيت الزيتون وبوسطها خيط من القطن يضيء ويرسل في الجو نوراً ضئيلاً، كما يذكر الباحث خالد العظم في مذكراته التي نُشرت في بيروت عام 1973.
أما في الشوارع فقبل إحداث البلديات كانت الأضواء في الأسواق عبارة عن قناديل الحراس الضئيلة النور ويحمل الناس فناراً صغيراً (مصباح ورق) وفيه شمعة صغيرة والأعيان يستعملون الفنارات الكبيرة المصنوعة من المشمع وغلافها من النحاس يحملها الخدم ويمشون أمامهم.
ويقول فخري البارودي في مذكراته “إنه مر وقت منعت فيه الحكومة سير الناس بعد صلاة العشاء دون مصابيح.
دومري البلدية
في المناسبات كانت القناديل الصغيرة تُعلق على الجدران وعلى أقواس النصر ثم أصبحت الشوارع تُنار بفوانيس تُملأ بالبترول وكثيراً ما يعمد الأولاد إلى إطفائها بضرب ألواح البلور بالحصى وكانت هذه الفوانيس تُعلق على ارتفاع معين في الأزقة والحارات ويهتم بفوانيس كل حي موظف من قبل البلدية يُدعى (الدومري).
وكان هذا الموظف يمر بها قبيل المغرب ويبدأ بإشعالها ويظل حارساً لها حتى الساعات الأولى من الفجر وقد شاع مثل شعبي يقول (ما في الدومري) كناية عن خلو المكان من أي مخلوق، كان الفانوس عبارة عن متوازي مستطيلات من البلور يُثبت في قاعدته من الداخل (الكاز) وينتهي من أعلاه بحلقة تُستعمل لحمله باليد أو لتعليقه على الحامل.
مصابيح لوكس
يحدثنا الباحثان الراحلان محمود السباعي ونعيم الزهراوي في كتابهما (حمص- دراسة وثائقية) الذي يرصد تاريخ مدينة حمص الاجتماعي من عام (1840-1918) أي من خروج إبراهيم باشا وحتى خروج الأتراك العثمانيين أن رئيس بلدية حمص عام 1912 إبراهيم الأتاسي، ما إن استلم عمله حتى عمد مباشرة إلى شراء 100 مصباح كبير (لوكس) وزعها على الشوارع الرئيسية في المدينة، وفي مفارق الطرق فغمر النور تلك الشوارع وأزاح عنها حلكة الظلام، مما خفف حوادث النهب والسلب وأشاع بعض الأمان في ليالي المدينة.
ويذكر الأديب الراحل رضا صافي أن صاحب مقهى الدروبي قد سبق البلدية في استعمال اللوكسات لإنارة مقهاه والسهلة الواقعة أمامها.
وقبل أن تدخل الكهرباء إلى حمص دخلت إلى دمشق عام 1905 عندما حصلت الشركة الفرنسية البلجيكية للترامواي والنور الكهربائي على امتياز كان الأول من نوعه في جميع بلاد الشرق ويُعزى تجهيز الشام بخطوط الترام والكهرباء إلى (عزة باشا العابد)، ولم تكن أي مدينة أخرى عدا بيروت ودمشق مضاءة بالكهرباء قبل الحرب العالمية الأولى.
أصل الكلمة
كلمة الدومرتعني الرجل الذي يشعل الفوانيس، ذلك أن البلديات كانت تعمد إلى توزيع فوانيس تشعلها على الكاز والفتيل القطني في المدن وبعض البلدان يوم لم يكن كهرباء، فتبعث نوراً ولو ضعيفاً يمزق بعضاً من ظلام الليل.
أن “لفظة الدومري ليست عامية في جذرها اللغوي كما قد يتبادر إلى الذهن بل هي فصيحة ولكن التغير الذي أصابها جعلها مصنفة في العامية ومعناها (الإنسان مطلقاً) أي كل إنسان، وهي لا تخص المذكر على حدة أو المؤنث على حدة أو الصغير أو الكبير وقد تطور لفظها كغيرها من الألفاظ في اللغة ففي المعجم (التأمري- التأموري -التؤمري) بفتح التاء في الأول والثانية وضمها في الثالثة وهذا التبديل في الهمزة والواو والياء كثير في اللغة حتى حركة التاء المنقولة دالاً والهمزة المنقولة واواً حافظتا على الضبط بحسب اللفظ المحلي فالدال مفتوحة حيناً ومضمومة حيناً آخر كما هي التاء في الأصل”.